المسؤولية ألقانونيه للطبيب عن الخطأ والإهمال الطبي

المسؤولية   ألقانونيه للطبيب عن الخطأ والإهمال الطبي

إن التطور الكبير والإنجازات الهائلة في عالم الطب وتشعب اختصاصاته ودقة الاختصاصات العلمية فيه استوجب التنظيم الدقيق لهذا العالم الشاسع من العلم مراقبة أي تجاوز أو خطأ جسيم قد يؤدي إلى أضرار جسيمة أقل ما فيها يتعلق بحياة الإنسان ويرى المتخصصين فى الطب أنه المستحيل افتراض عدم وقوع هذه الأخطاء مستقبلا إلا انه من الممكن تجنبها قدر الإمكان ولكن حين يقترب الإنسان من أخيه الإنسان ليس فقط لشفائه من أمراضه وتخفيف وطأتها عليه بل أيضاً لمشاركته فيها بما تحمله من قلق وعذاب وبما تمنحه من فضائل الصبر والمحبة والرجاء تتجسد بذلك مهنة الطب القائمة على الخبرة والاختصاص والأخلاق العالية والإخلاص والاندفاع في خدمة الآخرين بأبهى الصور وأحلاها والتي تحميها القواعد القانونية بقوتها الرادعة لمنع أي تقصير أو إهمال في القيام بواجبات المهنة وبالتالي لا يجوز لأي إنسان أن يستفيد من تفوقه على المريض لتحصن بمناعة قانونية أو رفض أية محاسبة عن الأخطاء والمخالفات التي قد يرتكبها ونحن عندما نتحدث عن الخطأ والإهمال الطبي، لا يعني في حال من الأحوال التقليل من سمعة الأطباء ورسالتهم الانسانيه وكفاءتهم محلياً ودولياً، كما لا يعني الانتقاص من حجم الخدمات الصحية المقدمة، ولكننا آثرنا البحث في هذا الموضوع جراء تزايد أعداد ضحايا الأخطاء الطبية، لأن نسبة واحد بالمئة من الخطأ الطبي يعني خسارة حياة إنسان.. كثيراً ما نسمع أو نقرأ في وسائل إعلامنا المطبوعة خصوصاً عن مثل هذه الحوادث هنا وهناك، فذاك فقد سمعه، وآخر فقد بصره، وآخر فقد حاسة من حواسه، وآخر اجريت له عملية جراحية غير دقيقة وآخر فقد حياته وإمراة توفيت أو خسرت وليدها عند الإنجاب بسبب إهمال طبي مكشوف، وتتكرر الحالات، ومع أننا على ثقة أن القصد هنا غير متوفر لدى الطبيب الذي يخطئ لكنه قد يهمل عن قصد لتكون النتيجة أحياناً ضحية وخسارة حياة أحد المرضى.
فأين تقع مسؤولية الطبيب عن الخطأ والإهمال الطبي؟ وهل هناك عقوبات قانونية تقضي بحالة الخطأ أو الإهمال الطبي، أم أن نسبة من الخطأ الطبي، وحتى لو خسر المريض
حياته، قد تكون مقبولة بموجب القوانين النافذة؟... ولهذا لا بد من الرجوع إلى التاريخ في هذا الموضوع مروراً بتحديد العلاقة ما بين الطبيب والمريض وميدان المسؤولية المدنية العقدية إلى المسؤولية المدنية والجزائية بعيداً عن دائرة حسن النية أو سوء النية توصلاً إلى الحلول. وان العمل الطبي هو نشاط يتفق مع القواعد المقررة في علم الطب ويتجه في ذاته أي وفق المجرى العادي للأمور إلى شفاء المريض. والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجياً أي يستهدف التخليص من مرض أو تخفيف حدته أو مجرد تخفيف آلامه، ولكن يعد كذلك من قبيل الأعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة أو مجرد الوقاية من مرض وان الطبيب الذي يعالج المريض والمصاب لا يلتزم بتأمين الشفاء له كاملاً ومتماً فيما يجريه من فحص أو عملية إنما يأخذ على عاتقه بذل العناية الواجبة مراعياً في عمله القواعد الطبية الحديثة المستقرة في مجال اختصاصه فلا يخرج عما ينبغي أن يلتزمه أوسط الأطباء كفاءة وخبرة في المجال ذاته إن وجد في مثل وضعه الطبيب خاضع من حيث المسؤولية للقواعد العامة، فيسأل عن كل خطأ ثابت في حقه على وجه التحقيق سواء أكان الخطأ عادياً أم فنياً وسواء أكان يسيراً أو جسيماً وبالنسبة إلى لأطباء الأخصائيين يجب استعمال منتهى ألدقه معهم وجعلهم مسئولين عن أي خطأ ولو يسيراً خصوصاً إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم لان واجبهم الدقة في التشخيص والاعتناء وعدم الإهمال في المعالجة . و بالرغم من أن الدول ألمتقدمه تقدم أفضل عناية صحية في العالم الا ان مستوى الأخطاء الطبية فيها مرتفع بصورة غير مقبولة بتاتا وهذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية . وقبل التطرق إلى مسؤولية الطبيب بشقيها المدني والجزائي أود الإشارة إلى بعض ما جاء بهذا المجال في تاريخ الحضارات القديمة . ففي الحضارة الفرعونية كانت عقوبة الطبيب إذا اخطأ قد تصل حد الإعدام.وكما هو الحال عند البابليين وعند الإغريق : كان الطبيب عندهم لا يُسأل جزائيا إذا توفى المريض رغما عنه ولكنه كان يُسأل جزائيا إذا كانت الوفاة بسبب تقصير الطبيب أو جهله ومن أشهر أطبائهم أبقراط صاحب القسم المشهور .عند الرومان : أشهر أطبائهم جالينوس وقد نظموا مهنة الطب وأبعدوها عن السحر والشعوذة . وكان عقاب الطبيب الذي يخطأ عن سوء نية وتعمد على درجة الإعدام . حيث يقتص منه ذاتيا.ويحق لأهل المريض مطالبة الطبيب المخطئ بثروته كما كانت هذه النصوص تطبق. على الطبيبات والقابلات في العصور الوسطى : كان الطب محصورا بالملوك والنبلاء . أما بقية فئات الشعب فقد خضعت للشعوذة والسحر . وقد فرض مجمع لاتران عام 1215 على الطبيب أن يخطر المريض بضرورة الاعتراف أمام الكاهن وإلا تعرض للعقاب واستمر ذلك حتى العام 1712 . وقد عارضت الكنيسة العمل الجراحي وفصلته عن الطب وتركت أمر معالجته للحلاقين. وعند العرب أول من أنشأ المستشفيات أطباء مشهورين منهم أبن سينا وأبن النفيس والرازي. وعلى كل حال كان الطبيب لا يسأل عند العرب إلاّ إذا كان الخطأ المرتكب مما لا يقع به طبيب وهو ما ينتج عن الجهل أو الخطأ الفاحش.والمسؤولية القانونية نوعان : مدنية وجزائية . المسؤولية المدنية : وهى كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض .وهذه المسؤولية ناتجة عن المسؤولية التقصيرية ويمكن تعريفها كالتالي : هي المسؤولية التي تنشأ نتيجة خطأ ارتكبه شخص فسبب ضررا للغير لا تربطه به رابطة عقدية . أركان هذه المسؤولية التقصيرية هي : الخطأ – الضرر – العلاقة السببية .ومسؤولية الطبيب التي يسأل عليها هي الناتجة عن الأخطاء المتعلقة بممارسة مهنته مثال أخطاء التشخيص ولاعتباره مخطئا يجب أن يكون فعله المنسوب إليه مما لا يصدر عن طبيب وسط في نفس مستواه من التشخيص والخبرة . كذلك يُعتبر امتناع الطبيب عن القيام بالمعالجة في الوقت المناسب خطأ طبيا ما لم يكن هذا الامتناع غير ذي تأثير على حالة المريض
كما ان مسؤولية الطبيب الأخصائي من الناحية العلمية والفنية تقسم الأطباء إلى ثلاثة فئات وهم
-الطبيب العادي
- الطبيب الأخصائي
- حملة الشهادات لعليا. وعلى هذا الأساس يكون الطبيب الأخصائي أكثر عرضة للمسؤولية من سواه لافتراض معرفته العلمية.
ولقد نظم قانون مزاولة المهن الطبية أحكام ممارسة مهنة الطب لجهة وجوب حرص واهتمام الطبيب على مصلحة المريض ابتداء من فحص المريض وتشخيص المرض وإعطاء العلاج وحتى كتابة الوصفة وكتابة اسم المريض وعمره وطريقة استعمال الدواء وعدم إجراء العمل الجراحي بدون أذن خطي إلا في حالات الضرورة .وعليه فان المسؤولية المدنية تستوجب التعويض المادي عن الضرر أو الأذى اللاحق بالمريض ويترك أمر تقدير ذلك للقضاء الذي يراعي كل حالة بحسب مسؤولية الطبيب ومقدار الأذى ونسبة العجز وغيرها من أمور شريطة ان يكون لنقابة الأطباء الموافقة المبدئية لإحالة الطبيب إلى القضاء لإجراء التحقيق إذا رأت أن الطبيب مقصرا بايداء مهنته .
- المسؤولية الجزائية : يحاسب الطبيب جزائيا في حالات ثلاثة:
-1- الجرائم العادية التي يرتكبها الطبيب كإنسان عادي
-2-الجرائم المرتكبة أثناء ممارسته لمهنته كطبيب
- 3 -حالات استثنائية .يعاقب الطبيب في حالة ارتكابه الخطأ المهني الجسيم .هذا الخطأ الذي لايقع فيه الإنسان العادي كما في حالة جهله التام أو عدم مراعاته للقواعد الفنية العادية الواجب مراعاتها مثل عدم تعقيم الأدوات الطبية المستعملة أو يقوم بعمل جراحي وهو سكران أو امتناعه عن الاستمرار بمعالجة المريض وتسبب فى موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والتعليمات او يسبب إيذاء أخر غير مقصود. وهنا يعطى المجنى عليه او من يمثله قانونا او من الورثة اذا كانت هناك وفاة حق إقامة الشكوى على الطبيب وكما هو الحال اذا افشي أسرار المريض . في حين عاقب القانون على جريمة القتل بدافع الإشفاق واعتبرت ذلك جرم قتل كما هو حال مايسمى بالقتل الرحيم والإجهاض وبأية وسيلة كانت لإجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها منه حتى ولو كان برضاها وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى الموت عوقب الفاعل .كما لايجوز القانون استخدام جثة الإنسان وتشريحها لهدف علمي دون موافقة من له الحق بذلك وتختلف المسؤولية القانونية ( الجزائية ) عن المسؤولية ( المدنية ) لجهة الأركان اللازم توافرها للمساءلة فالمسؤولية الجزائية يجب توافر عناصر ثلاثة : الإدراك -التمييز - حرية الإرادة - الخطأ - ويعتبر الخطأ أهمها وهو الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة كما هناك بعض الجرائم التي يمكن وقوعها في مجال ممارسة مهنة الطب او ناتجه عنها جرائم النصب والاحتيال الطبي كالتهويل بأمراض غير موجودة بقصد الابتزاز- جرائم العرض حيث يستغل الطبيب مهنته وظروف مريضته فيأتي معها أفعالا مخالفة للأخلاق والشرف وإساءة معاملة المصابين بأمراض عقلية ونفسية وجريمة نسب المواليد لغير ذويهم وجريمة أبدال الجنس وسرقة الأطفال وانتهاك حرمة الموتى وجرم أعطاء خبرات غير صحيحة وغيرها كثير. ومما يلاحظ ان الأخطاء الطبية تقع باستمرار في المستشفيات الخاصة والعامة دون أن تجد من يوقفها يرتكبها أطباء وهم أصحاب رسالة لكنهم بشر يرتكبون الأخطاء إلا أن هذه الأخطاء كلفت الناس حياتهم.
وهناك بعض الأخطاء لايمكن قبولها ويجب أن لاتقع من الطبيب والطاقم الذي يعمل معه وعل سبيل المثال إدخال أنبوب الأوكسجين لغرض التنفس أثناء ألعمليه إلى المرى بدلا من القصبات ألهوائيه ولقد ترافعت كمحامي بمثل هذه الدعاوى .ولكي نتعرف على مفهوم الخطأ الطبي حتى تكون ألصوره واضحة. لذا يعرف الخطأ الطبي بأنه انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة بهمل الاهتمام بمريضه وإخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي. ويتبيّن أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب والإخلال بواجبات الحيطة والحذر إغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة وكثيرا ما يدخل المريض أو أهله فى ألمساعده على تكوين الخطأ وخاصة الخطأ الجسيم دون أن يكون للطبيب اى دخل أو علم أما بسبب العاطفة أو لجهل أو إرباك الطبيب خلافا لعمله وعادة تكون هذه الأعمال بدافع غريزي .أما تقسيمات الخطأ الطبي فيُجمع معظم الفقهاء القانونيين على وجود قسمين من أخطاء الأطباء بين الفقه والقانون.
الخطأ الفني- وهو الخطأ الذي يصدر عن الطبيب ويتعلّق بأعمال مهنته ويتوجّب لإثبات مسؤوليته عنه أن يكون الخطأ جسيماً ومن الأمثلة عليه: عدم الالتزام بالتحاليل الطبية والخطأ في نقل الدم وإصابة المريض لسوء استخدام الآلات والأجهزة الطبية وإحداث عاهة فضلاً عن التسبّب في تلف عضو أو تفاقم علة الخطأ العادي- ومردّه إلى الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الناس كافة ومنهم الطبيب في نطاق مهنته باعتباره يلتزم بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزم بالقواعد العلمية أو الفنية لمهنته. ومثاله أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو فى حاله لايسمح له وضعه الصحي وهذا ما يحدث الا نادرا.أما الإهمال الذاتي: فيقصد به التفريط والتقصير وعدم الانتباه ومن صور الإهمال. أن يُكلّف شخص بالعناية بمريض أو طفل صغير فبهمل العناية به حتى يموت. أو ينسى الطبيب قطعة شاش أو آلة داخل جسم المريض.وكذلك قلة الاحتراز وعدم التقدير على نحو سليم للآثار الضارة لفعله فضلاً عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة.مع إدراكنا المسبق لا يوجد بين أطبائنا من يسمح لنفسه بإيذاء احد المرضى ولكننا نتعامل مع سياق الواقع العملي لهذه ألمهنه ألمقدسه وبكل المعاني الانسانيه وبغض النظر عمن يقع فى دائرة الأخطاء ألجسيمه حتى يتعرف الآخرين لان الواقع العملي واليومي يعطينا ويطلعنا لمثل هذه الحالات لاعلى سبيل الحصر في مكان معين نقصد به بل اين ما وجد سواء فى العراق او غيره.وإن إحدى أهم المشاكل التي تظهر في دعاوى مُساءلة الأطباء مدنياً عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات فالمريض يجب عليه أن يُثبت وقوع الخطأ وأن يثبت وقوع الضرر ثم يثبت علاقة الخطأ بالضرر وأن هذا الخطأ هو الذي أوقع ذلك الضرر وأن هذا الضرر ما كان ليقع لولا وقوع ذلك الخطأ. ويظهر ثقل هذا العبء بشكل جلي ومعقّد في ظل الصعوبة البالغة التي تنجم عن إفادات الخبراء الذين تدعوهم المحكمة وهم من الأطباء في تحميل زملائهم في المهنة أي نوع من أنواع المسؤولية لدى إدلائهم بإفاداتهم مع الملاحظة أن تشريعات بعض الدول ذهبت إلى ابتكار حلول جديدة لمواجهة هذه الإشكالية بحيث افترضت قيام مسؤولية الأطباء دون حاجة إلى تحميل المريض عبء الإثبات فيما جعلت عبء إثبات العكس يقع على الأطباء. ومن هذه الدول السويد ونيوزيلندا.ويلعب النظام العشائري في تسوية قضايا الأخطاء الطبية دورا إنساني ينسجم وحجم مسؤولية الطبيب بقصد المسامحة بالجانب الجزائي من المسؤولية وهذا يجب أن لا يؤثر على الحق المدني للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمتضرر. وعلى المؤسسات ألتشريعيه ان تبادر لوضع قانون يلزم المؤسسات الصحية الخاصة والعامة بالتأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية إلى جانب تطوير الوعي لدى المواطنين بأهمية ملاحقة ومتابعة قضايا الخطأ الطبي بالطرق ألقانونيه السليمة والابتعاد عن الطرق ألبدائيه الباليه والتي تسيى للعمل الانسانى والخبرة ألعلميه وبدوافع الابتزاز وكثيرا ما يقع المتضرر تحت طائلة العقاب عندما يتجاوز حدوده ألقانونيه لكون القانون له الشأن على الجميع ودون استثناء . لذا يجب ان تكون لجان طب شرعية من أطباء وفقهاء وقانونيين تكون مهمتهم إبداء الرأي الفني والعلمي والمهني والقانوني في كل مسألة طبية طارئة وتحديد نوع الخطأ الطبي ومدى مسؤولية الطبيب وضمن اختصاص نقابة الأطباء وهذا لايعنى أبعاد القضاء ففي كل الأحوال القضاء صاحب ألكلمه الأولى وبموجب قانون خاص يحدد الأخطاء الطبية يكون فيصلاً في مثل تلك القضايا التي تتشابك فيها المصطلحات والمفاهيم بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية ومداخلات المريض وأهله والحالات العائدة إلى القضاء والقدر..
لان الطبيب هو الميزان والموازنة والمعيار الذي يدعم النظام الصحي ويهدف لبناء مجتمع خالي من الأمراض وبموجب رسالته التي يملها الأمر الذى يستوجب توفير مستلزمات ايداء مهمنته.
ولغرض تكيف مسؤولية الطبيب فقد اجمع الفقه والقضاء على ان المسؤولية المدنية للطبيب عن الخطأ والتقصير الصادر من قبلة أثناء معالجته للمرضى وهذا الأمر لم يكن مثاراً للجدل والنقاش، إلا أن الجدل ثار حول تكيف هذه المسؤولية فيما اذا كانت مسؤولية عقدية أم مسئولية تقصيرية.
ولتكيف مسؤولية الطبيب المدنية لابد من وضع هذه المسؤولية في مكانها بالنسبة الى غيرها من أنواع المسؤولية وتحديد نطاق دائرتها في وسط نطاق دوائر اوسع منها كالمسؤولية الأدبية والجنائية والمدنية. ولأنواع المسؤولية وبالتحديد لنوع المسؤولية الطبية.
أنواع المسؤولية-
تعرف المسؤولية بانها حالة الشخص الذي ارتكب امر يستوجب المؤاخذة وتنقسم المسؤولية بشكل عام الى قسمين رئيسيين هما المسؤولية الأدبية والمسؤولية القانونية. المسؤولية الأدبية: وهي المسؤولية التي لا تدخل في دائرة القانون ولا يترتب عليها جزاء قانوني، بل ان أمرها موكول الى الضمير والوجدان والوازع الداخلي، وبالتالي هي حالة الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد الأخلاق، والمتعارف عليها بانها مكملة للقواعد القانونية. يتضح ان المسؤولية الأدبية تقوم على أساس ذاتي محض فهي مسؤولية أمام الله وإمام الضمير وكما ان هذه المسؤولية تتحقق حتى لو لم يوجد ضرر.
المسؤولية القانونية: وهي المسؤولية التي تدخل في دائرة القانون ويترتب عليها جزاء قانوني، وبالتالي هي حالة الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد القانون، ولا تتحقق هذه لمسؤولية الا إذا وجد ضرر ولحق هذا الضرر شخص اخر غير المسئول.
ونستخلص مما سبق ان المسؤولية الأدبية اوسع نطاق من المسؤولية القانونية، لأنها تتصل بعلاقة الإنسان بربة وبعلاقته بنفسه وبعلاقته مع الناس، بخلاف المسؤولية القانونية التي لا تتصل إلا بعلاقة الإنسان بغيرة من الناس. وتنقسم المسؤولية القانونية بدورها الى قسمين جنائية ومدنية
1- المسؤولية الجنائية: وهي التي تتحقق عندما يرتكب الشخص فعلا يشكل جرما يعاقب عليه القانون، فتقوم هذه المسؤولية على اعتبار ان هناك ضرر أصاب المجتمع من جراء ارتكاب هذا الشخص فعلا يخالف القواعد القانونية العامة التي تنظم شؤون الحياة في المجتمع وتترتب على مخالفته لهذه القواعد جزاء جنائي محدد بنصوص القانون.
2. المسؤولية المدنية: وهي التي تتحقق عند إخلال المدين بالتزام يجب عليه، وترتب على هذا الاخلال ضررا أصاب الغير، ويعرفها البعض بانها التزام شخص بتعويض الضرر الذي أصاب شخص اخر، وبالتالي يلزم بتعويض الضرر الذي لحق الغير.
يتبين لنا مما سبق إن قيام إحدى المسؤوليتين لا يتعارض مع قيام المسؤولية الأخرى، فقد يترتب على العمل الواحد مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية في آن واحد، كالقتل، والسرقة، والقذف، فكل عمل من هذه الأعمال يحدث ضرر في المجتمع والفرد في وقت واحد، فيكون من ارتكب هذا الفعل مسئولا مسؤولية جنائية جزاءها العقوبة، ومسئولا مسؤولية مدنية جزاءها التعويض. وقد تتحقق المسؤولية الجنائية دون المدنية اذا لم يلحق الفعل ضررا بالغير، كما في بعض جرائم الشروع وحمل السلاح ومخالفات المرور، وقد تتحقق المسؤولية المدنية دون المسؤولية الجنائية اذا الحق الفعل ضررا بالغير دون أن يدخل ضمن الاعمال المعاقب عليها في القوانين الجنائية، كالأضرار بمال الغير عن غير عمد وسوء العلاج الطبي. وهذا وتنقسم المسؤولية المدنية بدورها الى قسمين المسؤولية العقدية، والمسؤولية التقطيرية الفعل الضار. أولاً: المسؤولية العقدية. تقوم هذه المسؤولية على الإخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من التزامات، فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية يرتبطان بعقد، وفي حالة إخلال احدهما بشروط العقد تتحقق المسؤولية، ومثال ذلك العقد المبرم ما بين البائع والمشتري ثم يتعرض البائع للمشتري بالعين المبيعة فيخل البائع بالتزامه العقدي من عدم التعرض، نستطيع القول ان المسؤولية العقدية هي حالة الشخص الذي يخالف التزام عقدي ويخل بشروط العقد المتفق عليها.
ثانياً: المسؤولية التقصيرية تقوم هذه المسؤولية عند الاخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير وهو الالتزام بعدم الاضرار بالغير، فالدائن والمدين لا يرتبطان بعقد قبل ان تتحقق المسؤولية بل ان المدين أجنبيا عن الدائن، ومثال ذلك ان تكون العين في يدي مالكها ويتعرض له فيها اجنبي ويكون المدين بالتالي قد اخل بالتزام قانوني عام يفرض عليه عدم الإضرار بالغير ويدخل في الغير مالك العين. ونستطيع القول ان المسؤولية التقصيرية هي حالة الشخص الذي يخالف التزام فرضه علية القانون.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا ان هناك أهمية للتفرقة ما بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية ترجع هذه التفرقة الى طبيعة كل من المسؤوليتين وتكمن أهمية هذه التفرقة فيما يلي : 1. من حيث الاهلية: يشترط لقيام المسؤولية العقدية كمال الأهلية لشخص المتعاقد بينما لا يشترط ذلك في المسؤولية التقصيرية.
2. من حيث الأعذار: ان المطالبة بالتعويض وفق المسؤولية العقدية يتطلب توجية اعذار للمدين يبين فية ضرورة قيام المدين بتعويض الضرر الناجم عن اخلالة بشروط تنفيذ العقد، باستثناء الحالات المنصوص عليها في القانون والاتفاق، اما المسؤولية التقصيرية فلا يشترط فيها مثل هذا الاعذار.
3. من حيث مدى التعويض عن الضرر (الضمان): ففي المسؤولية العقدية لا يسأل المدين الا عن الضرر المباشر والمتوقع وقت ابرام العقد، باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم، اما في المسؤولية التقصيرية فيسأل المدين عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع.
4. من حيث الاختصاص: ينعقد الاختصاص في المسؤولية العقدية للمحكمة التي في دائرتها موطن المدعى عليه او المدعى وأحيانا للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان انعقاد العقد، هذا كله اذا لم يتم الاتفاق على غير ذلك، اما في المسؤولية التقصيرية فينعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان وقوع الفعل الضار.
5. من حيث التضامن: ان التضامن في المسؤولية العقدية لا يكون الا بنص القانون او الاتفاق عليه، بخلاف الامر في المسؤولية التقصيرية الذي يفترض فيها التضامن. 6. من حيث نطاق المسؤولية عن فعل الغير: يسأل المدين وفقاً لإحكام المسؤولية العقدية عن فعل كل شخص استعان به في تنفيذ الالتزام، اما في المسؤولية التقصيرية فلا يسأل الشخص الا عن أفعالة الشخصية باستثناء ما نص عليه القانون، اي ان الأصل في المسؤولية التقصيرية انها شخصية الا اذا نص القانون على غير ذلك. 7. من حيث الإعفاء من المسؤولية: يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقدية في حين ان الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية يكون باطلاً. وفي حالة اذا توافر في الفعل مسؤولية عقدية وتقصيرية فان المسؤولية العقدية تجب المسؤولية التقصيرية. ومن حيث الإثبات: يقع على الدائن في المسؤولية العقدية إثبات العقد، وعلى المدين إثبات انه قام بتنفيذ التزامه او إثبات السبب الأجنبي الذي حال بينه وبين تنفيذه الالتزام المترتب عليه، أما في المسؤولية التقصيرية فيقع عبء الإثبات على الدائن (المتضرر) فهو الذي يلزم بإثبات خطأ المدين والضرر والعلاقة السببية. تحديد نوع المسؤولية الطبية على ضوء القواعد ألقانونيه ألعامه.
تثور المسؤولية الطبية عندما يتخلف أبناء المهنة عن بذل العناية التي تتطلبها مهنتهم والتي ينتظرها منهم المرضى، وقد كانت تلك المسؤولية محلاً للعديد من الآراء الفقهية والتطبيقات القضائية وبالتالي للكثير من التساؤلات حول تحديد طبيعتها هل هي مسؤولية عقدية ام مسؤولية تقصيرية. من المعلوم ان المسؤولية لا تكون عقدية الا اذا وجد عقد صحيح بين المضرور والمسئول عن الضرر، وكان هذا الضرر نتيجة اخلال احد طرفي العقد بالالتزام العقدي. ويترتب على هذا القول ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية كلما انعدمت الرابطة التعاقدية. وقد ذهب القضاء الفرنسي مدة من الزمن الى اعتبار ان المسؤولية الطبية مسؤولية تقصيرية عندما يصدر خطأ من شخص معين يسبب ضرر للغير دون تمييز بين طبيب او غيره. واعتبر ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية، تقوم على الإخلال بواجب عام وهو عدم الاضرار بالغير، وقد استند أنصار المسؤولية التقصيرية في مجال المسؤولية الطبية الى عدة حجج لتأييد رأيهم ويمكن اجمال هذه الحجج بما يلي :
1. ان المسؤولية الطبية هي مسؤولية لها طبيعة فنية بحتة، فالطبيب ملزم بمراعاة واجب الضمير والأصول العلمية الطبية الثابتة بعلم الطب، سواء ارتبط بعقد ام لم يرتبط، فكل ما يتعلق بالضمير والأصول العلمية الثابتة بعلم الطب مناطة قواعد المهنة وهذا يخرج عن دائرة العقد.
2. كل فعل يقوم به الإنسان وينشأ عنه ضرر للغير، فانه يوجب المسؤولية التقصيرية، وقد ذهب أنصار هذه الحجة (النظرية) بان كل فعل حتى ولو شكل جريمة جنائية فانه يوجب المسؤولية التقصيرية، وعمل الطبيب الذي يقوم به لا يخرج عن هذا النطاق ويلتزم بتعويض الضرر الذي نشأ عن فعله الطبي ولا يسأل عن اي جرم جنائي على حد قولهم لانه يتمتع بحصانة جنائية اذا ما التزم باصول المهنة. 3. الاستناد الى فكرة النظام العام، ان العلاج الطبي يتعلق بحياة الإنسان وسلامة جسمه وبدنه وسلامة الإنسان من سلامة المجتمع، وبالتالي فان المساس بهذه المسائل هو مساس بالنظام العام الذي هو مجموعة من الركائز والقواعد الأساسية التي تهم المصلحة العليا للدولة، والتي على الجميع احترامها، وبناء عليه يجب ان يخضع المسؤول في حالة مخالفته لهذه القواعد الركائز لقواعد المسؤولية التقصيرية.
إلا إن الأخذ بالمسؤولية التقطيرية يجعل عبء الإثبات يقع على عاتق المريض المضرور، على اعتبار ان الدائن هو الملزم بإثبات الضرر ومن اجل التخفيف عنه في عبء الإثبات وتوفير الحد الأدنى لحمايته فقد لجأ الفقه الى قرينة المسؤولية التي يفرضها الحق ضررا من الأشياء او لحق به ضررا من الأشياء التي تكون تحت الرعاية .ولا يمكن نفيها الا بإثبات السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه . وعلية لا يكتفي من الطبيب المدعى علية ان يثبت انه لم يرتكب خطأ، وانما يجب ان يثبت ان هناك سبب أجنبي لا يد له فية حتى يتمكن من نفي المسؤولية عنه. وبقي الفقه والقضاء في فرنسا يعتبران المسؤولية الطبية هي مسؤولية تقصيرية الى ان صدر حكم محكمة النقض الفرنسية في حكم شهير لها في يوم 20 ايار من عام 1936م، حيث عرض امر تكيف طبيعة المسؤولية الطبية من جديد على محكمة النقض وقررت (انه من المقرر نشوء عقد ما بين الطبيب والمريض يلتزم بمقتضاه الطبيب لا بشفاء المريض بل بتقديم العناية اليقظة التي تقتضيها الظروف
الخاصة للمريض والتي تتفق مع أصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي، ويترتب على الإخلال بهذا الالتزام التعاقدي ميلاد مسؤولية من نفس النوع اي مسؤولية عقدية. ولذلك فان عقد العلاج بين الطبيب والمريض وان لم يتضمن شفاء المريض فانه لا يكتفي من الطبيب بذل جهود عادية بل المطلوب منه بذل قصارى جهدة في سبيل الشفاء والتي يجب ان تكون متفقة مع الاصول العلمية الثابتة مالم يكن هناك ظرف استثنائي.
وعليه تعتبر المسؤولية الطبية هي مسؤولية عقدية والطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي بينه وبين مريضة بشفائه او بنجاح العملية التي يجريها له الا ان العناية المطلوبة منه تقتضي ان يبذل منه جهود صادقة يقظة تتفق مع الاصول العلمية المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي والذي لا يمكن ان يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي إحاطة بالطبيب المسئول. ومع ذلك هناك حالات استقر الفقه والقضاء على أن تكون فيها مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية وهي الحالات التالية : أولاً: اذا كان تدخل الطبيب لا يستند الى عقد صحيح ويقع ذلك في الحالات التي تؤكد الدلائل على انعدام الرابطة التعاقدية ما بين الطبيب والمريض، فإذا ما انعدم وجود مثل هذه الرابطة، فان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية، ومثال ذلك ان يقوم الطبيب بإنقاذ جريح على الطريق العام او إنقاذ غريق، فيعتبر تدخل الطبيب هنا هو اقرب الى قواعد الفضالة حتى ولو دعي من قبل الجمهور للقيام بحالات الإنقاذ المذكورة.
ثانياً: في الحالة التي يسبب المريض ضرراً يلحق بالغير، مثال ذلك إهمال الطبيب في مراقبة مريضة المختل عقليا والذي يسبب ضررا للغير او قيام المريض بمرض معدي -مع علم الطبيب بذلك- بنقل العدوى الى شخص آخر، دون ان يقوم الطبيب بعمل الإجراءات اللازمة للحيلولة دون منع او انتشار المرض المعدي، او اذا منح الطبيب شهادة طبية لشخص معين وكانت هذه الشهادة مخالفة للوقائع وقام هذا الشخص بتقديمها لرب العمل. في الحالات السابقة تكون مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية.
ثالثاً: حالة امتناع الطبيب عن علاج المريض او عن التدخل في معالجته في ظروف كان يجب علية وفقا للقانون ان يتدخل في العلاج، ومثال ذلك عدم قيام الطبيب في قسم الطوارئ بتقديم الإسعافات الأولية للمريض فتعتبر مسؤولية الطبيب في هذه الحالة مسؤولية تقصيرية.
رابعاً: الحالة التي تأخذ مخالفة الطبيب لالتزامه الطابع الجنائي ومن ثم يك هو المختص بالدعوى المدنية، وقد طبق القضاء الفرنسي هذا المبدأ بشأن الممرضة التي ادى إهمالها الجسيم لموت الطفل الصغير.
خامساً: الحالة التي يطالب فيها بالتعويض شخص آخر غير المريض، اي غير المتعاقد مع الطبيب كما هو الحال بالنسبة لورثة المتوقي المتضرر، إذا قاموا برفع دعوى باسمهم الشخصي للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابهم شخصيا نتيجة لموت قريبهم او مورثهم. هذه الحالات استقرا القضاء عليها بانها مسؤولية تقصيرية لا مسؤولية عقدية .
الطبيعة العقدية للمسؤولية الطبية يمكننا القول بأن الطبيب اذا قام بمعالجة المريض في ظروف عادية فغالبا ما يكون ذلك بناءً على اتفاق مسبق بينهما، وغالباً ما يرتبط المريض مع الطبيب بموجب عقد، حتى وان كانت صيغة هذا العقد في غالب الاحيان غير مكتوبة او غير موثقة، فمجرد فتح المريض لعيادته وتعليقه للافتة التي تدل على ذلك، فأنة يضع نفسه في موقع من يعرض الإيجاب فعندما يتوجة المريض لهذا الطبيب من اجل العلاج فهذا يدل على قبول المريض للإيجاب وبالتالي انعقاد العقد الطبي بينهما وبموجب هذا العقد يطلب المريض من طبيبة ان يقدم له العناية التي تؤدي الى شفائه مقابل بدل معين يتم الاتفاق علية وفي العادة وكما هو معمول بة مهنبا يتم تحديد احور الكشفيان والعلاج مسبقا بموجب انظمة داخلية او من قبل الطبيب نفسه وعليه تكون المسؤولية هي مسؤولية تقصيرية واستقر على ان المسؤولية الطبية هي في الأصل مسؤولية عقدية والاستثناء ان تكون مسؤولية تقصيرية. وقد خرج الفقه بإقرار نتيجة هامة الا وهي عدم جواز الجمع او الخيرة بين المسؤوليتين، وبناء على ذلك يقع على عاتق المريض الذي يدعي بان التزام الطبيب لم يتم تنفيذه . اذا اعتبرنا هذا الالتزام هو التزام عقد إثبات ذلك وفقا للقواعد العامة بالإثبات وتعتبر مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية حتى ولو تدخل الطبيب من تلقاء نفسه وفق أصول المجاملات الطبية كما لو قام الطبيب بمعالجة احد اصدقائة او كما لو قام الطبيب بالمعالجة او بالتدخل بناء على اشتراط لمصلحة الغير، كما لو تعاقد رب العمل مع طبيب معين لمعالجة عمالة، فالعامل المضرور يرجع على الطبيب في حالة اهمال الطبيب في معالجته وفقا لقواعد المسؤولية العقدية . بعد أن تعرضنا للاتجاهات الفقهية والقضائية والتي عملت على تكييف طبيعة المسؤولية الطبية نعرض الان الرأي السائد في التكييف القانوني للمسؤولية الطبية. إلا إن الرأي السائد في تكييف المسؤولية الطبية كانت الاتجاهات الفقهية والقضائية السابقة تعتبران مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية ثم تحولت وأصبحت تعتبرها مسؤولية عقدية والمسؤولية الطبية والمجمع عليه فقهيا وقضائيا، ان مسؤولية الطبيب عن أخطائه المهنية انما هي مسؤولية عقدية. ولكي تكون مسؤولية الطبيب عقدية فأنة لابد من توافر الشروط التالية الشرط الأول: ان يكون هناك عقد صحيح بين الطبيب المريض فيجب ان تتوافر في العقد حتى يكون صحيحا ومشروعا جميع أركانه وشروطه والمتمثلة بالرضي الخالي من العيوب فإذا لم يحصل الطبيب على رضى المريض بالعلاج فانه يكون قد ارتكب خطأ ويسأل عن الأضرار الناجمة عن تدخله كما يشترط أيضا ان يكون محل العقد مشروعا فإذا اتجهت إلى إنشاء التزام على عاتق الطبيب فهذا يعني ان العقد يكون صحيحا، وبالتالي وجود رابطة تعاقدية بين الطبيب والمريض وتكون المسؤولية بالتالي مسؤولية عقدية. وهذا الأمر يثير ضرورة بحث العديد من الحالات الرأي لتحديد ما اذا كان تدخل الطبيب بموجب عقد الحالة الأولى : اختيار الطبيب من قبل المريض. في هذه الحالة يتم اختيار الطبيب من قبل المريض ويوجد عقد ما بين المريض والطبيب بهدف علاج المريض وهذه الحالة لا تثير ادنى شك في كون أن المسؤولية هي مسؤولية عقدية.
الحالة الثانية : تدخل الطبيب دون دعوى من قبل المريض . وفي هذه الحالة فإن الطبيب يتدخل ليس بناء على دعوى من المريض ، وبالتالي لا يكون وجود العقد واضحا كما هو الوضع في الحالة الأولى ، بل أن هذا الوضع يتطلب أن نميز بين عدة فروض للتأكد من وجود العقد من عدمه . الفرض الأول : تدخل الطبيب من تلقاء نفسه أو بدعوى من غير ذي صفة ، ومثال ذلك كما لو شاهد الطبيب حادث على الطريق العام وتدخل من تلقاء نفسه لإسعاف المريض أو بناء على دعوى من الجمهور ، هنا لا يوجد عقد بين الطبيب السائد في تكييف المريض ويعتبر العمل الذي قام به الطبيب من أجل إسعاف المريض من قبيل الفضالة الفرض الثاني : حالة اختيار الطبيب المعين من قبل مستشفى خاص او مشروع خاص ويتحقق هذا الأمر عندما يبرم الطبيب عقد مع مستشفى أو مع إدارة شركة أو مصنع يلتزم بمقتضى هذا العقد أن يقوم بمعالجة مرضى المستشفى الخاص أو عمال الشركة أو المصنع أثناء قيامهم بالعمل ، أن العقد المبرم ما بين الطبيب والمستشفى أو المشروع الخاص ينظم علاقاتهم التبادلية ، وبموجب هذا العقد يلزم الطبيب بتقديم العلاج اللازم للعمال أو مرضى المستشفى على الرغم من أنه لم يلتزم معهم بإي اتفاق سابق ، فيكون التكيف القانوني لهذه العلاقة وفقا لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير ، حيث يعتبر الطبيب متعهدا بتقديم خدمة العلاج والمداواة وتعتبر إدارة المستشفى او المصنع، المشترط، ويعتبر العمال او المرضى هم المستفيدون من هذا الاشتراط، ومن المعلوم انه لا يشترط في الاشتراط لمصلحة الغير تعيين الأشخاص الذين لهم مصلحة ما دام انهم قابلين للتعيين عند التنفيذ. وبناءً على ذلك يكون للمستفيد دعوى مباشرة يستمدها من العقد ويستطيع استعمالها في مواجهة المتعهد الطبيب لمطالبته بتنفيذ التزامه وبالتالي يمكننا القول ان مسؤولية الطبيب في هذا الفرض هي مسؤولية عقدية.
الفرض الثالث: حالة الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام ينظر الى ان العلاقة بين الموظف والإدارة هي علاقة تعاقدية واعتبر قبول الموظف للوظيفة وقبول الإدارة للموظف عبارة عن عقد من عقود القانون المدني ويوصف ذلك بأنة عقد أجار أشخاص الا انه وجهت انتقادات عديدة الى هذا التكييف القانوني اي لعلاقة للموظف بالإدارة علاقة خاصة وان القانون المدني تحكمه قاعدة العقد شريعة المتعاقدين وبالتالي لا يجوز تعديل العقد الا باتفاق الطرفين ونجد على العكس من ذلك ان الإدارة تقوم بتعديل شروط التوظيف، بمحط إرادتها، دون ان يكون الموظف حق الاحتجاج لأنه حق مكتسب إلا إن التكييف استقر على أساس الفكرة ألتنظيميه للموظفين أي ان العلاقة بين الموظف والإدارة هي علاقة تنظيمية لائحية .
ووفقا لهذا الرأي فإن الوظائف تنشأ بقانون يحدد بموجبها الحقوق والواجبات وقبول الموظف وخضوعه للأحكام ألعامه إلا إن علاقة الطبيب بالجهة الإدارية هي علاقة تنظيمية لائحية وليست علاقة تعاقدية وان مسؤولية الطبيب في المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض هي مسؤولية تقصيرية ، كما وكما يلاحظ ان علاقة الموظف بالإدارة هي علاقة تنظيمية وليست تعاقدية وان الإدارة مسئوله عن الأضرار التي يسببها المستخدمين، مما أدى إلى استبعاد قواعد القانون الخاص بالمسؤولية لتخضع كليا لقواعد المسؤولية الإدارية . وكما هو حال الطبيب علاقته بالإدارة هي علاقة تنظيمية لائحية تحكمها القوانين والأنظمة ولا يمكن القول بوجود الاشتراط لمصلحة المريض بين الطبيب الذي يعمل في المستشفى وإدارة المستشفى حيث لا يوجد عقد بينهما، لذلك فإن مسائلة الطبيب في المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض يكون وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.
الشرط الثاني: إخلال الطبيب المعالج بالعقد الطبي (ارتكاب الطبيب خطأ طبي) يسأل الطبيب في حالة عدم قيامة بالالتزامات التي يفرضها عليه العقد الطبي المبرم مع المريض عن كل تقصير او إهمال يصدر عن الطبيب اثناء قيامة بمعالجة المريض. وبالرجوع الى قواعد المسؤولية العقدية نجد ان الخطأ العقدي هو عبارة عن انحراف ايجابي او سلبي في سلوك المدين يؤدي الى مسألته ومعيار هذا الانحراف هو معيار الرجل عادي اعتبار اذا كان المطلوب من المدين هو المحافظة على الشيء او القيام بادارتة او توخي الحيطة في تنفيذ التزامه فانه يكون قد أوفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ولو لم يتحقق الغرض المقصود.. وعلية فإن المعيار لذي يطبق على الطبيب المدعى علية هو معيار موضوعي وهو معيار الطبيب الوسط. والأصل في المسؤولية العقدية هو افتراض وقوع الخطأ من جانب المدين إذا لم يقم بتنفيذ التزامه كلية أو في جزء منه او تأخر في تنفيذه ولا يستطيع الطبيب نفي الخطأ عن نفسه إلا إذا اثبت ان عدم التنفيذ يرجع الى سبب اجنبي حيث ينقضي الالتزام إذا اثبت المدين ان الوفاء بة أصبح مستحيلا علية لسبب أجنبي لا يد له فية. إذن مضمون التزام الطبيب هو بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الظروف القائمة والأصول العلمية الثابتة بعلم الطبيب، بهدف شفاء المريض والإخلال بمثل هذا الالتزام بشكل خطأ طبي يثير مسؤولية الطبيب، والفعل الخاطئ قد يكون مقصودا أو متعمدا وقد يكون غير ذلك كأن ينتج عن إهمال او عدم احتراز.

ارسال التعليق