رجب: شهر الرحمة والعطاء

رجب: شهر الرحمة والعطاء

إن شهر رجب هو ذاك الشهر الذي تجتمع فيه القلوب على ذكر الله وتصفو فيه النفوس من شوائب الدنيا. هو أحد الأشهر الحرم التي خصّها الله بالتقديس، وجعلها ميدانًا فسيحًا لطلب المغفرة والرحمة، ومجالًا رحبًا لتزكية النفس والإقبال على الطاعة.

وليس شهر رجب مجرد تقويم يمرّ على الناس، بل هو محطة روحانية تستوقف المؤمن للتأمل والتقرب من خالقه، وهو شهر تُستنهض فيه قيم الرحمة والعطاء.

لقد خصّت أدعية رجب معاني شتى تدل على أن الله سبحانه هو المرجو لكل خير، وهو الكريم الذي لا يخيب من طرق بابه.

كيف لا؟ وهو الذي نادى عباده في هذا الشهر ليغدق عليهم من رحمته ويجزل لهم من عطاياه. ففي دعاء “يا من أرجوه لكل خير” نرى صورة بديعة عن الأمل الذي يسكن قلوب المؤمنين وهم يطرقون باب ربهم، متيقنين أنه الجواد الكريم الذي لا يردّ سائلاً ولا يخيب راجيًا.

وهنا تتجلى الرحمة الإلهية، لا بوصفها عطاءً دنيويًا فحسب، بل كقيمة عليا تحث المؤمنين على التشبث بها في علاقاتهم ببعضهم البعض.

أما العطاء، فهو الوجه الآخر لشهر رجب، حيث يغدو هذا الشهر مناسبة لتنمية روح السخاء والبذل. لقد علّمنا الإسلام أن الرحمة لا تكتمل إلا إذا اقترنت بالعطاء.

والعطاء في رجب لا يُقصد به المال وحده، بل يشمل كل صورة من صور الإحسان، من مساعدة محتاج، أو كلمة طيبة تخفف عن مهموم، أو وقت يُمنح لمريض يئن.

في شهر رجب، يصبح العطاء عبادة، ومفتاحًا لتوطيد علاقات الناس ببعضهم، فتزول الأحقاد، وتتقارب القلوب، ويشعر الجميع بدفء الأخوة الإيمانية.

لكن، ما أحوج المؤمن في هذا الشهر إلى تأمل حاله وتطهير روحه من أدران الدنيا! إن رجب فرصة للتوبة، وللإقبال على الطاعات، وللتقرب من الله بالصوم والصلاة والدعاء.

لقد كان الأوائل يعُدّون هذا الشهر بمثابة مقدمة لشهر رمضان، فيهيئون فيه نفوسهم لاستقبال موسم الرحمة الأكبر.

فكيف نضيّع مثل هذه الفرصة ونحن أحق بأن نجعلها زادًا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟

إن رجب ليس مجرد شهر عابر، بل هو دعوة متجددة لكل مؤمن أن يستنهض قيم الرحمة والعطاء، وأن يجعل منهما نهجًا يلازمه طوال العام. هو درس في الإنسانية، وصفحة من صفحات التأمل الروحي، وموعد مع الله لمراجعة الذات وإصلاح الحال.

فلا تجعلوه يمضي دون أن تتركوا فيه أثرًا، ودون أن تتركوا له في نفوسكم ذكرى باقية.د.كتور عامر الطائي

ارسال التعليق