مــناهج وأساليب الإعلام والدعاية والتعبئة الجماهـيريّة

مــناهج وأساليب الإعلام والدعاية والتعبئة الجماهـيريّة

 

 

كان لزاما على المتتبّع للوقائع السياسيّة المدقّق في المتغيّرات المجتمعيّة آن يكون على دراية بمختلف الدراسات والمناهج العلميّة التي يعمد لها الغرب لاستقراء المجتمع وتوجيهه وان يكون على معرفة بمختلف أساليبها وأدواتها. والناظر المتفحصّ لهذا الحراك الجماهيري يرى أنّ ما حصل كان بدرجة أولى نتاجا ارتكاسيّا لما ساهمت فيه مختلف الأساليب الدعائيّة التي سرعان ما أحالته واقعا إلى مظاهرات شعبيّة بمطالب سياسيّة. فالدعاية هنا كانت الأداة الأبرز التي أنتجت هذه التعبئة الجماهيرية بفعل تنزيلها وإسقاطها على الوقائع المجتمعيّة والسياسيّة. ومن هذا المنطلق يأتي هذا البحث لتحقيق هذه الدراسات وكيف ينظر وفقها والأساليب التي يعمد إليها، كذلك لتوفير أرضيّة معرفيّة حتّى يتفطّن لها من عدّة أوجهها اعتبارا أنّ تحليل آليات الوقائع السياسيّة وفهمها وفقا للأسس النضريّة يساعدان السياسي على الفهم السليم للواقع والربط بين أجزائه. 

* مصطلح الدعاية

تعدّدت اصطلاحات الدعاية من ذلك اعتبارها فنّ تعبئة القوى الفكرية والعاطفية لتسيير عمليّة الإقناع بمثاليّة برنامج سياسي أو رأي أو موقف. والدّعاية عملية تستهدف التأثير على الرأي العام لإفراز سلوك سياسي معين أو لتغيير رأي أو تعديل موقف وهي تسعي إلى إقناع المتلقي بصحة الآراء التي يتبناها تنظيم سياسي أو حزب. كذلك اعتبرها البعض عملية تشتيت ذهني تؤدي إلى تشويه في المنطق والبتّالي إلى نوع من التشتت في السلوك. وهي تستهدف التأثير على السلوك السياسي للمتلقي ويكون ذلك بترسيخ مجموعة من القيم في قناعاته أو حمله على تغيير نمط سلوكه العام.

* تسلسل العملية الإعلامية الدعائية في حلقات

وهي تنطلق من الباث في شكل خطاب سياسي أو شعار أو رمز أو صورة وما إلى ذلك لتصل إلى الجماهير قصد تغيير مظاهر الاستجابة أي الرأي أو الموقف أو السلوك أو تثبيتها.

1- الباث أو المرسل أو المصدر ويكون عادة حزبا أو فئة مجتمعيّة..، وهذا الباب يفترض أن يكون له تصور سياسي شامل ومنطلقات فكرية واضحة وبرنامج متماسك ومبادئ وقيم ثابتة. وان يكون هدفه ترسيخ الاقتناع برؤاه السياسية عند الموالين له من الجمهور والسعي إلى تغيير مواقف الشرائح الأخرى. وحني يعتبر العمل الدعائي ناجحا ينبغي أن يتغلب منطق الباث على الممانعات القائمة.

2- الخطاب السياسي وهو يحمل رسالة دعائية هي عبارة عن مجموع الآراء والأفكار والمواقف التي يعبر عنها جهرا أو سرا تنظيم سياسي ما. وهذا الخطاب يأتي في أشكال متعدّدة كأن يكون بيانا منشورا أو مذاعا أو شريطا وثائقيا أو كتبا تحمل جميعا فكرة ذات مغزى.

3- قناة الاتصال وتكون مباشرة شفويّا أو تقنيا بوسيلة من وسائل الإعلام أو أداة من أدوات الاتصال الجماهيري الخ..

4- الجمهور وهو المستقبل ويتألف من شرائح اجتماعية وفئات تختلف من حيث العمر ومستوى التعلّم والانتماء الفكري والثقافي. وأبرز مكونات الجمهور هي فئات قليلة العدد ولكنها مؤثرة "كقادة الرأي" و "مراكز القوى" و "الجماعات الضاغطة" و"الجمعيات والنقابات"..، وجماهير كثيرة العدد وهي "الأغلبية الصامتة"

* أنواع الدعاية

صنّفت هذه الدّراسات الدعاية أربعة أصناف:

- دعاية التطأير العقائدي والتوسع والاستقطاب pro

-دعاية الإدماج 

- دعاية التهييج 

-دعاية التدمير 

1- دعاية التأطير العقائدي والتوسع والاستقطاب:

يعتمد الداعية في ترويج أفكار حزبه وآرائه ومواقفه، وسائل متعددة من منشورات وخطب وعلاقات شخصيّة. وغايته في ذلك النفاذ لبعض الأوساط والجماعات السياسية. دعاية التوسع ترمي إلى التعريف بأفكار الحزب وبرامجه وأهدافه وذلك من أجل مساندة الرأي العام لذلك الحزب. ويتم فيها ضبط الخطة الدعائية حسب الفئة أو الوسط مع معرفة نمط تفكيرها ووسائل إعلامها والمواقع التي تؤمنها. ويسمي الإعداد السوسيولوجي للدعاية "ما قبل الدعاية " ويعتبر جاك أيلول هذه المرحلة حاسمة إذ " ليس ثمة دعاية عاجلة ناجعة" وينبغي بالتّالي لكل دعاية أن تعدّ مسبقا.

وما قبل الدعاية يتوسّل إليها بوسائل عدّة :

- إنشاء وعي جماعي في مستوى صنف أو مجموعة وهو ما يسمى بـ "وعي الطبق " ويكون ذلك بجعل الأفراد الذي ينتمون إلى مجموعة يشعرون بوجود مصالح مشتركة وأعداء مشتركين -حسب تقديره- وإنهم يمثلون معا قوة سياسية. ثم يأتي بعد ذلك تنظيم المجموعة وتأطيرها.

- إنشاء جمعيات تستجيب لرغبات أو حاجيات فئات من الناس. اعتماد تقنيات العلاقات العامة وترويج أفكار تكون في ما بعد سندا للدعاية.

- اعتماد طريقة الاحتواء للشخصيّات المؤثرة أو الجهات الضاغطة.

وأمّا الدّعاية فهي تقوم على ثلاث محاور: الخطاب الدّعائي، الإعلام الدّعائي وتوظيف الأحداث.

- الخطاب الدّعائي: ويتعيّن أن يجمع فيه المعطيات الإخباريّة والمعرفيّة المتصلّة بالموضوع وترتيبها ترتيبا موّجها.

- الإعلام الدّعائي: ويلتجأ فيه إلى تأويل الأحداث أو المراوغة الكلامية. -                  توظيف الأحداث: بتوظيف الأخبار والأحداث التي تكون في صالح الدعاية مع استغلال نقائص الدعاية المناوئة ويكون ذلك بتحليل هيكلها وتفكيك مضامينها ومتابعة كل ما يصدر عن الجهة المنضمة لها.. وتأتي بعد ذلك عملية إعادة تنظيم العناصر المكونة لدعاية الخصوم مع إبراز نقاط ضعفها وتناقضاتها الداخليّة.

2- دعاية الإدماج

يتمثل الهدف الرئيسي لدعاية الإدماج في صنع الرأي العام وكذلك مجموع السلوكيات المواقف. وهذه الدعاية تنسج وحدة فكرية وعقائدية وما ينجر عنه من أحداث تحول شامل في التصور والسلوك مع الالتزام بالفعل والانجاز.

ارسال التعليق