السحر والساحر وراء ستار مظلم
في وقتنا المعاصر تنتشر ظاهرة السحر وسط المجتمع العراقي , لاسيما بأحد انواعه المشهورة , والذي يطلق عليه ((السحر الاسود)). ويشاع بأن هذا النوع من السحر يعمل به صنفان من الناس في العراق , وهما على ملل اديان سماوية , فالأول : بعض الصابئة , والثاني : بعض المسلمين . ويستخدمون مواد خاصة لعمل السحر تتكون من عقاقير الاعشاب والبخور كتفاح الجان والكافور وغيرهما , وجميعها تباع عند العطارين . وهناك مواد عامة اخرى تباع في المحلات العادية , وخاصة كصابون غسل الميت ومعها باللغة الدارجة ((الليفة)) والماء الذي يغسل به جسد الميت , وهذه المواد تتوفر في مغتسل الاموات . وايضا سرقة بدن الميت بعد ان يدفن خلال الاربعون يوميا من دفنه فيأخذ دماغه وبعض الاعضاء لعمل السحر . واغلب اعمالهم السحرية تعتمد على النجاسات كالزنا مع النساء خصوصا وتسخير الجان وغير ذلك من الكبائر والتي هي من اهم اساليب الساحر في سحره . اما اماكن وضع السحر فأكثرها توضع في المقابر وبشكل خاص منها ما يضر بدن الانسان من مرض او قتل . وبهذه الصورة الموجزة نعلم بأن كل المستخدم عبارة عن نجاسة في نجاسة ,وبعيد كل البعد عن الطهارة , مما يوحي لذوي الالباب بأن المسألة شيطانية بكل ابعاده , فيقول الله عزو جل في محكم كتابه الكريم : { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ... } ( البقرة | 102 ) . ولذلك في تعريف السحر لغويا يقول ابن منظور في لسان العرب : السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه . و السحر الأُخـْـذة . وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر . وقال الزهري : وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره ... ويشرح لنا السيد الاصفهاني في وسيلة النجاة المراد به ـ السحر ـ قائلا:(ما يعمل من كتابة او تكلم او دخنة او تصوير او نفث اوعقد ونحو ذلك بحيث يؤثر في بدن المسحور او قلبه او عقله ، فيؤثر في إحضاره او إنامته او إغمائه او تحبيبه او تبغيضه و نحو ذلك). والسحر انواع منه التخييل كما في قوله الله عز وجل: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } (طه |66) ويقول جل وعلا: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعراف|116). والنوع الاخر حقيقة ,فالسحر الحقيقي: هو الذي يعتمد فيه الساحر على الجن والشياطين وعبادة الكواكب والنجوم . وكلما ازداد الساحر كفراً وزندقة ازداد الجن والشيطان له طاعة . اذن السحر موجود , وهو حقيقة وليس خرافة , وما يدل على ان السحر حقيقته ظاهرة قوله تعالى : {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فهو جريمة كبيرة بحق الخالق اولا , وبحق الناس ثانيا . ويعد من أخطر درجات الطغيان ,كون الساحر يتجرد من عواطفه وأحاسيسه وإنسانيته وما سار عليه الناس في حياتهم بل يتجرد من الرابطة التي بينه وبين خالقه فيجحده ويكفر به لذا كان السِّحر من أكبر الكبائر وأكثرها خطراً على المجتمع . وما يؤسف له ان بعض الاشخاص وهم على درجة عالية من المكانة والاحترام بين الناس يلجئون الى السحرة حتى في تفاصيل حياتهم ويخافون منهم في حين ان قدراتهم محدودة جدا , فهذا حديث الامام الصادق (ع) عندما سأله سائل عن قدرة الساحر على ان يجعل الإنسان كلبا او بصورة الحمار قال «ع»: (هو اعجز واضعف من ان يغير خلق الله، ان من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك لله تعالى في خلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته وان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين ويجلب العداوة على المتصافين). فأن الحقيقة وألاثر الثابت لسحر الساحر في ان يمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، والأخ وأخيه، وكل ذلك بإذن الله تعالى. قال تعالى: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}( البقرة|102). وقوله تعالى: [فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحر إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ] {يونس|81} وقول الله تعالى: [فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الأعراف|118}. وكما نرى ذلك لا يكون الا بأذن الله تعالى , فالمؤمن الراسخ الايمان والعقيدة لا يخشى عمل سحر الساحر مهما بلغ من القوة , لان اعتقاده بمنهج الحق والتوحيد الخالص لله رب العالمين ينجيه من كيد الشياطين . وموضوع السحر بحد ذاته هو افساد لعقائد الناس وصرفهم عن الاعتقاد بالله عزوجل . ولذلك من يلجأ لهؤلاء الدجالين هو الجاهل الغير متعلق بالمولى تبارك وتعالى . وبشكل عام فأن الساحر يدرك تماماً بأن سحره هو اللجوء إلى النصيب والاحتيال الذي هو أوسع طريق وأسرعه لجلب الأموال واستنزافها من الناس المخدوعين وهم لا يفعلون ذلك من أجل ابتزاز أموال الناس فحسب بل من أجل أن يسعوا في الأرض فساداً. اما علاج السحر اذا ابتلي به الانسان فهو القران الكريم والادعية المأثورة عن اهل البيت عليهم السلام ,فعن النبي ( ص) القرآن هو الشفاء من كل داء فيقول تعالى : [وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] {الإسراء|82} وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] {يونس|57} وقال تعالى: [قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ] {فصِّلت|44}. وفي كتاب ضياء الصالحين للجواهري آيات خاصة من القران الكريم في ابطال السحر ,وغيره من كتب الادعية المأثورة ,وقراءة آيات الحرس . ان الاسلام حذر من عمل السحر , فعن رسول الله (ص) : (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر ، ومدمن سحر ، وقاطع رحم ). وعن الامام علي بن ابي طالب «ع» (من تعلم شيئا من السحر قليلا او كثيرا فقد كفر ، وكان آخر عهده بربه ، وحدّهُ أن يقتل إلا ان يتوب) وعنه ((ع)) انه قال:(الساحر كالكافر في النار) وقال أمير المؤمنين «ع» ايضاً: (أقبلت امرأة الى رسول الله «ص» فقالت ان لي زوجا وبه غلظة علي وإني صنعت شيئا لأعطفه علي؟ فقال لها رسول الله « ص» أفٍ لك كدرت البحار ، وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار ، وملائكة السماء والارض. قال «عليه السلام»: فصامت المراة نهارها، وقامت ليلها، وحلقت رأسها، ولبست المسوح فبلغ ذلك النبي فقال «ص» : ان ذلك لا يقبل منها . وفي الفقه الجعفري عموما اصدر معظم الفقهاء من المراجع العظماء الاموات والاحياء منهم في وقتنا الراهن كالمرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد السيستاني استفتاءاتهم في السحر من خلال التوجه لحضرته بالسؤال التالي : السؤال: هل عمل السحر من المحرمات في الشريعة الاسلامية؟ الجواب: السحر ،حرام فعله وتعليمه وتعلّمه والتكسب به. وهناك اسئلة واجابات اخرى منشورة على موقع مكتب سماحته في الشبكة العنكبوتية . اما حد الساحر في الفقه المذكور , فعن ابي عبد الله (ع) قال رسول الله (ص): ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل , فقيل يارسول الله (ص) : ولم لا يقتل ساحر الكفار ؟ قال(ص) : لان الكفر اعظم من السحر , ولان السحر والشرك مقرونان . وعن الإمام الصادق«ع» انه قال: (الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على أم رأسه). علما ان اقامة الحد على الساحر المسلم والكافر من اختصاص الحاكم أي المرجع الاعلى وليس الانسان المكلف العادي .
ارسال التعليق