العراق في الرؤية الصهيونية
حسن البنا
بعد التطور الدراماتيكي للأحداث السياسية والجهادية في منطقتنا، صرنا نسمع الأصوات التي تحاول الظهور بمظهر الناصح الأمين وتنادي بإبعاد العراق عن المواجهة مع الكيان الغاصب تحت ذريعة ان هذه الحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل كما يقال، وان العدو الغاصب يملك من القوة ما يكفي لتدمير كل البنى التحتية العراقية الضعيفة بالأساس. وبرزت أصوات نشاز أخرى توحي ان هذه الحرب هي حرب إيران مع الكيان الغاصب. كل هذه الأصوات تهدف الى تسويق الخنوع للغاصب بشتى المسميات وان تعددت الآراء المطروحة.
نريد هنا ان نبين ان العراق ليس بعيدا عن أصل الفكرة الصهيونية لتقسيم المنطقة التي نادى بها نتن ياهو من على منصة الأمم المتحدة في خطابه في مؤتمرها السنوي الأخير حيث حمل معه خارطتين الأولى لمحور الشر كما يسمي حركة المقاومة والأخرى رؤيته للشرق الأوسط الجديد. في كلتا الخارطتين كان العراق في قلب المخطط الصهيوني. فلو رجعنا الى الوراء حتى قبل المواجهات الأخيرة بعقود فان الصهاينة رفعوا شعارهم عن دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من الفرات الى النيل. وتم إضافة أجزاء أخرى من العراق لها بإضافة اهوار العراق الجنوبية لتضم اغلب مناطق العمارة باعتبار ان مدينة العزير العراقية تضم رفاة أحد انبياء بني إسرائيل- كما يدعون-، اذن العراق في كل الاحول هو الهدف الأول في قيام الدولة الصهيونية. هذا الشعار ليس وليد الاحداث الأخيرة بل رافق قيام الكيان الغاصب منذ وعد بلفور في سنة 1917, هذا من الناحية السياسية، اما اذا رجعنا الى الجانب العقائدي التاريخي للفكر الصهيوني فان العراق يقع في القلب من تفكيرهم أيضا، ويكفي ان نعيد قراءة المزمور (136) من مزامير داود التي كتبت في بابل- أو بعدها- في السبي البابلي الذي تذكر مدونات التاريخ ان القائد العراقي البابلي نبوخذ نصر الثاني قام به على مرحلتين؛ الأولى في سنة 597 قبل الميلاد، والمرحلة الثانية كانت في سنة 587-589 ق.م. وتم في هذه الحملات تدمير الهيكل واسر اكثر من سبعين الف يهودي منهم ملك يهوذا والسامرة
في المزمور (136 – حسب طبعة المزامير الصادرة في سنة1969 عن النور) المعنون حسب هذه الطبعة (من اجل ارميا) وفي نسخة أخرى عنوانه (انهار بابل) (في طبعات أخرى كان تسلسل المزمور 137) تبرز العقيدة الصهيونية الدموية ففيها يصرح الكاتب لهذه المزامير بدمويته وحقده على بابل وأطفال بابل بمعنى الحقد على العراق والشعب العراقي، فالعراق يمثل العقدة المركزية في العقيدة الصهيونية لما يحمله من تاريخ يذكرهم بما حدث لهم في بابل والقضاء على دولتهم في ذلك العصر. يذكر أحد الباحثين ان الدولة اليهودية (مملكة يهوذا) كانت تمثل الدولة العميلة للإمبراطورية الاشورية. وبعد هزيمة الدولة الاشورية امام الدولة البابلية الصاعدة بقيادة نبوخذ نصر الثاني (598 ق.م) حيث تم محاصرة القدس لثلاثة أشهر. وبعد فتحها تم ترحيل سبعة الاف يهودي الى بابل في المرحلة الأولى، وتلتها موجات أخرى من الترحيل.
ونوجز الحملات البابلية على اورشليم كما وردت في الموسوعة الحرة:
الحملة الأولى كانت في سنة (597 قبل الميلاد).
[جاء في فقرة في السجلات البابلية ما يؤكد حصار نبوخذ نصر للقدس، وأسر ملكها، وتعيين آخر مكانه، ونهب المدينة سنة 597، وفي السنة السابعة، في شهر كيسلف، حشد ملك أكاد قواته وسار إلى أرض الحثيين وعسكر أمام مدينة يهوذا، وفي اليوم التاسع من شهر أدار استولى على المدينة وأسر الملك. وعين هناك ملكًا من اختياره، وعاد بجزية كبيرة إلى بابل]
الحملة الثانية: سنة 589 قبل الميلاد
عاد نبوخذ نصر والقوات البابلية سنة 589 ق.م. واجتاحوا يهوذا، تاركين أدلة أثرية واضحة تدل على الدمار في العديد من الحفريات المكتشفة.
ولا بد ان نؤكد ان هذا المزمور هو واحد من المزامير المقدسة عند اليهود التي يتلونها في صلاتهم، فلنا ان نتصور كم يضخ هذا المزمور من حقد على العراق والشعب العراقي.
يفتتح هذا المزمور عبارته بالنص التالي (على انهار بابل هناك جلسنا، وبكينا عندما تذكرنا صهيون. على الصفصاف في وسطها علقنا قياثيرنا. (في نسخة أخرى – اعوادنا) في هذا النص يوصف كاتب المزمور وضع الاسرى الذين جيء بهم الى بابل من اورشليم وطلب الذين سبوهم ان يرنموا لهم ترنيمة الرب، ثم يتساءل كيف نرتل ترنيمة الرب في ارض غريبة؟ ويسترسل بالقول (ان انا نسيتك يا اورشليم فلتنسني يميني. وليلتصق لساني بحنكي ان لم اذكرك. ان لم أفضل اورشليم على أعظم أسباب فرحي.)
في النصوص أعلاه يضخ المزمور الحقد الدفين عند الصهاينة على بابل لينتقل في النص اللاحق الى كشف امانيه ورغباته (اذكر يارب بني ادوم القائلين في يوم اورشليم: انقضوا انقضوا حتى الى أسسها) ولم يكتف بهذا القدر من التحريض والحقد الصهيوني انما يقرر نوع الانتقام الذي يجب ان يقوم به الصهاينة نحو أبناء بابل بالنص التالي (فيا بنت الشقية – في طبعة اخرى فيا بنت بابل المخربة – طوبى لمن يجازيك بالجزاء الذي جازيتنا. طوبى لمن يمسك اطفالك ويضرب الصخرة بهم. – في نسخة أخرى طوبى لمن يمسك اطفالك ويضرب بهم الصخرة) هذه النصوص في هذا المزمور تكشف لنا العقيدة الصهيونية الدفينة ضد بابل وشعب بابل وبالتالي العراق وشعب العراق في العصر الحديث.
هذا المزمور هو الرد الواقعي على الذين يتخرصون بعبارات (مالنا وللحرب او لنبعد بلدنا عن ساحة الحرب التي ليس لنا فيها مصلحة) وبقية العبارات التي يبثها الجبناء والمرجفون. ان تجنبا الحرب او انغمسنا بها فالصهاينة وضعوا نصب اعينهم تدمير العراق وان نأى بنفسه عن أي مواجهة.
العقيدة الصهيونية لن تتوقف عن طموحها طالما هي الحاكمة في سياسة الولايات المتحدة والمتحكمة بسياسات المجموعة الاوربية.
ارسال التعليق