العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل: خارطة طريق للنهضة

العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل: خارطة طريق للنهضة

كتب رياض الفرطوسي 

لقد استغرقنا طويلًا في الحديث عن الماضي، حتى باتت محاولاتنا لفهم الحاضر واستشراف المستقبل أقل حيوية وأثراً. واليوم، نحتاج إلى استخدام الخيال الواعي والحق المشروع في تصور المستقبل الذي نرجوه لأجيالنا القادمة، بعيداً عن الشعارات الجوفاء أو الآمال الوهمية  .  الدول العظمى اليوم تستثمر في علم المستقبل، مدركة أن التوقع والكشف عن القادم هو أرقى أشكال الأمل. هذا العلم يمنعها من أن تُفاجأ بالأحداث، ويجعلها على استعداد دائم لمواجهتها. أما في العراق، فإننا نفتقر إلى هذا الحس الاستباقي، حيث تم اختزال المستقبل في احتياجات يومية بدائية، وأصبحنا شركاء في غفلة جماعية تمنعنا من التطلع نحو الغد بعقل مفتوح ورؤية منهجية .  إن الأمل ليس أمنية عابرة، بل صناعة متقنة تستدعي كشف الدروب المظلمة، وتجنب الوعود الزائفة. وكما قال إدوارد سعيد : (  المثقف الحقيقي ليس خالق إجماع، بل هو إنسان يراهن بكينونته على حس نقدي) . استقراء التاريخ يوضح أن الأمم العظيمة تبني مستقبلها على أساس أفكار كبرى. خذ على سبيل المثال تجربة الهند مع "نهرو" ورفاقه، الذين وضعوا تصوراً شاملًا لما يريدونه للدولة الهندية بعد الاستقلال. خططوا لمستقبل يمتد لعقود، ملتزمين بسياسات طويلة المدى. أما في العراق، فلا تزال نقطة البداية غائبة، ولم نصل بعد إلى مرحلة الإقلاع نحو المستقبل، لأننا نفتقر إلى رؤية شاملة ومنهجية علمية تضع التعليم في صلب الأولويات .  التعليم ليس مجرد منظومة تقليدية، بل هو أساس لكل نهضة عصرية. يحتاج العراق إلى نظام تعليمي يجمع بين العلم والتدريب، ويزرع الالتزام لدى الأجيال، ويوفر جسوراً للتواصل بين الماضي والمستقبل .  هنا ممكن ان يكون للخيال الواعي مفتاح للنهضة . إن حق الخيال هو أعظم هدية منحها الله للعقل البشري. العراق، رغم كل التحديات، لا تنقصه النوايا الطيبة ولا الرغبة في النهوض، لكنه بحاجة إلى أفكار مبتكرة ورؤى مستقبلية بعيدة المدى. الطريق إلى المستقبل لا يُبنى بالنوايا وحدها، بل بالعمل الجاد والمنهجي .  لن يتحقق هذا الهدف دون استثمار موارد الدولة - الطبيعية والبشرية - بأفضل الطرق الممكنة، ومن خلال الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة. لا يجب أن تكون هناك حساسية في طلب المشورة، فالهولنديون يتفوقون في الزراعة، والإسبان في السياحة، وغيرهم في مجالات أخرى .  إن بناء المستقبل العراقي يتطلب مصالحة حقيقية بين الأجيال. فلكل مرحلة سماتها الثقافية والسياسية، وما يُبنى اليوم يجب أن يكون متوافقاً مع تطلعات الأجيال القادمة. هذا التوافق سيخلق مناخاً فكرياً يعزز الانطلاق نحو مستقبل مستدام .  عبر العراق مراحل صعبة من الانكسار والانتصار، لكنه دائماً ما يستدعي أنوار الفجر ليزيل الظلام. إن الأمم العظيمة تُبنى بالدم والعرق والدموع، ونحن بحاجة إلى التماسك والاعتزاز بإرثنا الوطني. العراق الذي بنى الحضارات القديمة قادر على أن يكون رائد المستقبل .  إن النهضة العراقية تتطلب رؤية علمية، خيالًا واعياً، واستثماراً في الإنسان. يجب أن نفتح أبوابنا للعالم ونستلهم من تجاربه دون أن نفقد هويتنا. لن يبني العراق إلا أبناؤه، لكنهم يحتاجون إلى أفق مفتوح وأمل صادق . العراق ليس فقط أباً للماضي، بل هو الأب الذي سينجب المستقبل .

ارسال التعليق