ظلم الناس نتائج ومصير
قال تعالى : «قل يا قومِ اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون»1.
وقال جل وعلا : وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ , مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء 2.
فقد قال سبحانه : أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى 3.
وفي موضع اخر قال عزوجل : سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ , وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ 4.
لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً ...... فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه... يدعو عليك وعين الله لم تنم.
الظلم لغويا يدل على وضع الشيء في غير موضعه، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه. يقال: ظَلَم يَظْلِم ظَُلْماً - بفتح الظاء وضمها - فهو ظالم وظلوم؛ وظَلَمَهُ حقه: أي: منعه حقه كله أو بعضه؛ وتظلم فلان: أي: نفى الظلم عن نفسه؛ وتظلم من فلان: شكا من ظلمه. ومعنى قول العرب في أمثالها: من أشبه أباه فما ظلم: أي: ما وضع الشبه في غير موضعه.
وقد جاء لفظ (ظلم) في القرآن 5 باشتقاقاته المختلفة في أكثر من مائتي موضع؛ وأكثر ما جاء بصيغة الفعل، كـقوله تعالى: {ظلم} ، و{أظلم (، و{يظلمون}، و {تظلمون}، و{يظلم ).و{ليظلمهم} .و{ظلمتم} ، و{ظلمهم} ، و{ظلموا}، {ظلمت} ، {ظلمناهم}، و{ظلمونا} .
وقطعا اقوى درجات الظلم هو الشرك بالله والكفر قال تعالى: {إنّ الشرك لظلم عظيم} 6. وقال سبحانه: {والكافرون هم الظالمون} 8.وحديثنا اليوم عن ظالمي الناس قال تعالى: {إنّما السبيل على الذين يظلمون الناس)8.
يقول سبحانه: تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ 9.
قال أمير المؤمنين (ع): (تعطروا بالاستغفار، لا تفضحكم روائح الذنوب)!..
ظلم الناس ذنوب عظيمة تنزل النقم كما ورد في دعاء كميل اَللّـهُمَّ!.. اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ . والانتقام صفة بشرية. الإنسان الضعيف عندما يعجز، وعندما يخاف الفوت، يحتاج إلى ظلم الضعيف، بني آدم لأنه يخاف الفوت ينتقم .
رب العالمين لا ينتقم بسهولة , ولكن الله -عز وجل- في كتابه الكريم، يعبر عن نفسه {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}، هذا الانتقام ليس بدواعٍ عاطفية، ولا بدوافع شعورية بمعناه البسيط الساذج، ولكن لأن الله -عز وجل- يرى أن في هذا الانتقام تمام الحكمة والمصلحة.
كأن هنالك سحابة عذاب، هذه السحابة موقفة، ولكن تنتظر الفرصة المناسبة لنزول العذاب على أهلها، وإذا نزل عذاب التنكيل والاسئصال بقوم، فلا ينفعهم إيمانهم ودعاؤهم لرد العذاب.فيقول تعالى {سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}10.
والظّلم هو سببُ كلِّ البلاءات الّتي تعاني منها البشريّة ، سواء في واقعها الاجتماعيّ أو السياسيّ أو الاقتصاديّ، ولذلك، كانت إشارات الله المتكرّرة في القرآن الكريم إلى أنّه لا يحبّ الظّالمين، ولا يهديهم، وأنَّ الظّالمين في ضلالٍ مبين، وسيعلم هؤلاء المصير الأسود الّذي سيعانون منه.
فالظالم لكونه فاقداً لكثير من الصفات الحسنة الكمالية، وهو يشعر بهذا النقص، يحاول أن يسد شعوره هذا بالتوسّل بالظلم.
ولذا فإن الله تعالى منزه عن الظلم كما قال (وإن ا لله ليس بظلام للعبيد). لأنه متكامل من جميع الجهات وغير محتاج إلى أي شيء، فلماذا يظلم؟ وفي الدعاء:«إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف».
قال تعالى:(واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين) 11.
و قال الله تعالى:(إن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن) 12.
إن كل ظالم في حقيقة الأمر ظالم لنفسه وكل محسن محسن إلى نفسه قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) 13، وقال جل وعلا (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) 14.
و إن دولة الظلم لابد لها من أركان ، وأركانها الظالم وحاشيته وأعوانه والراضون بحكمه والمستخذون بين يديه؛ فإن فقدت هذه الأركان لم تقم للظلم دولة ولا للظالمين صولة.
قال عز وجل: ((وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ)) 15.
قال العلامة الطبرسي في مجمعه:«الركون إلى الشيء هو السكون إليه بالمحبة له والإنصات إليه، وقد نهى الله عن المداهنة في الدين والميل إلى الظالمين، لأن الركون إلى الظالمين المنهي عنه هو الدخول معهم في ظلمهم وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم»16.
قال جل وعلا: ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ)) 17..
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الظلمة وأعوانهم، من لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيساً، أو مد لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم»18.
ويقول أبو عبد الله (عليه السلام): من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله عزوجل عليه ساخطاً حتى ينزع عن معونته19.
عندما سئل الإمام أمير المؤمنين (ع): ما الفاصلة بين الأرض والسماء، قال: (مد البصر ودعوة المظلوم) 20.
، اي تأوه المظلوم يصل إلى باطن السماء وسرها. يقول القرآن الكريم: إن أبواب السماء مفتوحة للجميع، لكن هذه الأبواب لا تفتح للكفار والمنافقين، (لا تفتح لهم أبواب السماء) 21.
، فمسؤولوا السماء هم الملائكة، والله سبحانه يقول (وأوحى في كل سماء أمرها) 22.
، لكل سماء أمر تختص به، والله سبحانه يأمر الملائكة بتوسط الوحي. وإذا لم ينتظر المظلوم مساعدة من أحد، إلا الله فدعاؤه مستجاب.
المظلوم الذي لا يستطيع حيلة ولا تصل يده إلى شيء، ليس له معتمد إلا الله سبحانه، فهذا المظلوم يكون متوجهاً إلى الله بتمام قبله ومتطلعاً إليه سبحانه وحده، فهو في الدعاء موحد مخلص، فدعاؤه مستجاب، ولهذا قال أمير المؤمنين (ع): (الفاصلة بين الأرض والسماء دعاء المظلوم).
ينقل الإمام السجاد عن أبيه الإمام الحسين ـ عليهما السلام ـ في آخر وصيته له أنه قال: (إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله) 23.
، وهذا المعنى نفسه ورد آخر وصية الإمام السجاد للإمام الباقر ـ عليهما السلام ـ إذ يقول الإمام الباقر (ع) دعاني أبي في آخر لحظات ارتحاله وقال لي: أوصيك بنفس الوصية التي أوصاني بها سيد الشهداء (ع) وهي وإن كان كل أقسام الظلم قبيح، لكن ظلم من ليس له ناصر إلا الله أقبح، لأن دعاءه مستجاب، وتأوهه مسموع.
قـال الإمام الصـادق (ع):«من عـذّر ظالماً بظلمه سلّط الله عـليه من يظلمه وإن دعا له لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته» .24.
فقدقال سبحانه: ((وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)) 25.
وقال تعالى: ((لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَ مَنْ ظُلِمَ))26..
وقال جل وعلا: ((وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)) 27.
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم»28.
وعن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه (عليهما السلام) قال: «ما يأخذ المظلوم من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم»29.
وصور الظلم كثيرة ليس بين الشعب والحكام فقط بل مسؤول العمل عندما يظلم احد العاملين معه ويبخس حقه .وكذلك الوزراء والمدراء مغ المواطنين او الموظفين في المعاملات والتعامل ..وكذلك تجد الظلم في المجالس التحقيقية .و ظلم الجار لجاره فيؤذي الجار جاره . ويظلمه في معاشه ويظلمه بتسليط الأغاني والأصوات المزعجة عليه ويظلمه بمعاكسات أولاده لبناته وغير ذلك مما يجري بين الجار وجاره.
ومن صور الظلم ما يحصل من بعض الأزواج لزوجاتهم، وله صور ومظاهر شتى، فمن ذلك حينما يرغب الزوج بمفارقة زوجته التي يكرهها فإنه لا يسرحها بإحسان . ولكنه يلجأ إلى تنغيص حياتها بشتى الطرق والوسائل لكي تفدي نفسها والله تعالى يقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ 30. ومنهم ظالم أبويه بإهمالهم أو الإساءة إليهم، وظالم أرحامه بالتقصير في حقوقهم أو التخلي عنهم أو الإضرار بهم. •
قال الله تعالى: (والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا) 31.
وكم جميل ان يتذكر الانسان الناضج مقولة امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك..."و ( لو دامت لغيرك ما وصلت إليك ).
فكل الذين وجد منهم الظلم واستعبدوا خلق الله وعباده، أو استغلوا قواهم لمنافعهم يدخلون في المفهوم العام للظالمين وهم من مصاديق الذين ظلموا. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) فهي لا تختص بالحكام الظلمة والولاة الفسقة الذين عاصروهم (عليهم السلام) وإنما كل من اتسم بسمة الظلم إلى قيام الساعة.
كل ظلم يرجع إلى نفس الظالم في آخر المطاف، لأن الظلم يبتدأ حينما يتنكر الإنسان للملكات الخيرة الموجودة في ذاته، وهذا التنكر سيجر الويلات على الإنسان.
والان لنقرأ مصير الظالمين ونرى هل باستطاعتهم مقاومة القوى الجهنمية الهائلة التي أعدت للظالمين والمفسدين؟
قال تعالى :ـ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله، فاهدوهم إلى صراط الجحيم 32.
ويقول الله تعالى :ـ وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مردّ من سبيل 33.
وايه اخرى تقول :ـوقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون34.
ويقول جلا وعلا:ـ إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه..35.
وقال عز من قائل :ـ وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين36.
وقال تعالى: (هل يهلك إلا القوم الظالمون) 37.
وقال عز وجل:(ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) 38.
فقد قال تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}39.
ويقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يقول الله عزوجل أشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري40.
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده»41.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «من ارتكب أحداً بظلم بعث الله عزوجل من يظلمه بمثله أو على ولده أو على عقبه من بعده»42.
إن ميزان الآخرة منضبط على معيار واحد يميز العدل من الظلم(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) 43.
وحينما يحل الموعد لا يتأخر إطلاقاً (فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب.. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) 44.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اَللّـهُمَّ!.. اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ، اَللّـهُمَّ!.. اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1. الأنعام.: 135.
2. ابراهيم:43،42.
3. القيامة:36.
4. القلم:45،44.
5. راجع السور التالية :ـ الكهف:87.والبقرة:20. والبقرة:57. و البقرة:279.و النساء:40.و التوبة:70.و البقرة:54.و آل عمران:117.و البقرة:59.و يونس:54.و هود:101.و البقرة:57.
6. لقمان:13.
7. البقرة:254.
8.الشورى:42.
9. البقرة: 229.
10. الشُّعراء:227.
11. هود: 116.
12. الأنعام: 82.
13. فصلت :46 .
14. النحل118.
15. هود: 113.
16. مجمع البيان: ج5 ص263.
17. سورة القصص: 17.
18. بحار الأنوار: ج72 ص372 ب82 ح17.
19. مستدرك الوسائل: ج12 ص108 ب80 ح13650.
20. بحار الأنوار (ج10، ص88).
21. الأعراف: 40.
22. فصلت: 12.
23. سفينة البحار مادة وصى (ج2، ص462)، أصول الكافي (ج2) باب الظلم الحديث 5.
24. الكافي: ج2 ص334.
25. الشورى: 8.
26. النساء: 148.
27. الإسراء: 33.
28. نهج البلاغة: الحكم 241.
29. ثواب الأعمال: ص272 باب عقاب من ظلم.
30. النساء: 19.
31. الزمر: 51.
32. الصافات: 22.
33. الشورى44.
34.الزمر: 24.
35. الكهف: 29.
36. الزخرف: 75.
37. الأنعام: 47،
38. إبراهيم:27.
39. النّمل:52.
40. » بحار الأنوار: ج72 ص311 ب79 ح12..
41. غرر الحكم ودرر الكلم: ص456 ق6 ب5 ف1 ح10401.
42. بحار الأنوار: ج72 ص313 ب79 ح23..
43. غافر: 17،
44. إبراهيم: 44-47.
ارسال التعليق