ما الذي يدفع بعض مسلمي أوروبا للانضمام إلى تنظيمات متشددة؟
يعتقد أن غالبية من يقف وراء هجمات باريس ممن ولدوا وعاشوا في مدن أوروبية
نجح تنظيم "داعش " فيما لم تنجح فيه تنظيمات متشددة أخرى، إذ انتزع مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا مشيدا عليها ما أسماه بأرض "الخلافة".
ويملك داعش تمويلا ذاتيا، إذ يسيطر على حقول نفط يتمكن من بيع ناتجها عبر وسطاء مما يدر عليه دخلا يقدر بملايين الدولارات، إضافة إلى موارد أخرى يحصلها من إدارته للمرافق التي يسيطر عليها. ويدير التنظيم ، إذاعة ناطقة باسمه، وهي "البيان"، ويصدر كما هائلا من المواد الدعائية تتميز بقدر كبير من الاحترافية يروج من خلالها لأيدولوجيته وما يسميها "نجاحاته"، وبلغات عدة تمكنه من مخاطبة شريحة عريضة ممن تستهويهم أفكاره.
ويتميز داعش بقدرته على اجتذاب أعداد كبيرة من الشباب الأوروبي، إذ تقدر أعداد الأوروبيين المنضمين له ولتنظيمات أخرى تنشط في سوريا بنحو 5000 عنصر، وذلك حسب تقرير نشرته جريدة الغارديان في أغسطس/ آب 2015.
والسؤال الذي يفرض نفسه، كيف تمكن تنظيم متشدد كتنظيم "داعش" من اقناع شباب أوروبي بنبذ نمط حياته وتبني أفكارا متشددة. وما الذي يمكن أن يقدمه لهم في المقابل؟
ويجيب على هذا السؤال، في حديثه مع بي بي سي العربية، الدكتور أنس التكريتي، رئيس مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا، قائلا "يمكن أن نصنف الأوروبيين الذين يلتحقون بتنظيم "داعش" إلى ثلاثة أصناف على الترتيب": الأول، "المضطربون نفسيا، وهم ينحدرون من خلفيات مضطربة، إذ نجد سجلهم حافلا بالجرائم وتعاطي المخدرات وحياة المجون. يقدم التنظيم لهؤلاء حلا سريعا للتكفير عن ماضيهم مع وعد بالجنة والتوبة النصوحة".
الثاني، "الذين يعانون من مشكلة هوية، ويعيشون على الهامش، تنبذهم مجتمعاتهم ولا تعترف بهم كمواطنين أوروبيين كاملي المواطنة. هؤلاء يبحثون عن هوية حقيقية وراسخة، ويمنحهم التنظيم ما يبحثون عنه بدءا من لقب أبو... البريطاني أو الفرنسي أو البلجيكي، مع انتسابهم لهوية واضحة ومنحهم شعورا بالأهمية يفتقدونه في مجتمعاتهم الأوروبية".
الثالث، "وهم من يؤمن حقيقة بالأفكار المتطرفة وبصحتها، وينضمون إلى تلك التنظيمات إيمانا بأفكارها".
ويرى التكريتي، أن "التنظيمات المتشددة كتنظيم "داعش" تطورت للغاية وتمتلك استراتيجية واضحة وتعمل بذكاء وإدراك"، مضيفا أن "التعامل السياسي والإعلامي مع الهجمات التي تنفذها تلك التنظيمات يصب في مصلحتها".
ويستطرد التكريتي شارحا رأيه "التناول السياسي والإعلامي المصاحب للهجمات يظهر تلك التنظيمات بالقوة الكبيرة التي يمكنْها ضرب وإيلام القوى الغربية. هذا الطرح يعد جذابا لعدد من الشباب المسلم الذي يرى دينه يهان وعالمه الإسلامي يعاني من ضعف، وتبدو أمامه أفعال تلك التنظيمات بالقوة رغم إجرامها".
وفي ذات السياق يقول دكتور رضا أصلان، عالم الأديان وأستاذ الكتابة الإبداعية في جامعة كاليفورنيا، خلال مقابلة مع قناة CCTV أمريكا، "إن ما يجذب الشباب إلى تنظيمات متشددة مثل تنظيم "داعش"، هو نفسه ما استهوى الشباب خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي للانضمام إلى جماعات مسلحة (حركات التحرر) في أمريكا اللاتينية وغرب آسيا".
ويتابع أصلان شارحا "هذا التنظيم يقدم الخيال الرومانسي والشعور بالإثارة والمغامرة، نرى هؤلاء الشباب يلتقطون صورا لأنفسهم حاملين تلك الأسلحة الحديثة ويشعرون أنهم جزء من مشروع كبير لإعادة تكوين العالم كما يفهمونه". ويضيف "تنظيم داعش " نجح في إنشاء نظام إدارة يشبه نظام إدارة الدول. كل هذه عوامل تعد جاذبة للأفراد للالتحاق به".
ويرى أصلان أن تنظيم داعش "لا يحتاج إلى أفراد يحملون بنادق، هو بحاجة لهؤلاء الأوروبيين الملمين بالسياق العالمي وتكنولوجيا العصر والقادرين على مخاطبة أقرانهم الأوروبيين بلغاتهم الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وبالكيفية التي يفهمها هؤلاء الشباب من أجل اجتذاب مزيد من الأتباع".
وأخيرا، يقدر خبراء عدد المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى سوريا منذ عام 2011 بما يزيد عن 20 ألف مقاتل أجنبي، ينحدرون من 81 دولة على الأقل.
ارسال التعليق