نفحة مِن عالَم "أحياء عند ربهم"
قوية هي نفوسنا عندما تتعثر في مسيرتها وكأنّ زمامها هشّ المِراس بلا جَلَدٍ ولاقوة، فقد نصل أحيانًا إلى مرحلةٍ نشعر فيها بخسارتنا كلما رأينا نجومَ سماء العزة تتساقط مزهوّة في سباقٍ مع الزمن كي تصل إلى معدن العظمة! عن الشهداء أتكلم بل أتأمّل! فكم في سيرة الشهداء العطرة من دروس وعِبر، وكم فيها من الآلاء والقيم، هم كالمشاعل المضيئة في طريق السائرين، ومن السهل استلهام ولو مقدار مما نتغنى بشأنهم، ولكن! كم أخذنا وكم حظينا! لم نأخذ أكثر مما نتبجّح من تراثهم، أخلاقهم، صدقهم، سلوكياتهم، إخلاصهم، لقد ترك لنا الشهداء أروع تراثٍ لأرقى المعاني الإنسانية والأخلاقية، فبِهم يزدهر التأريخ، وتفتخر الأوطان، ويرتقي المجتمع إلى أفق المعالي، وبهم ترفع الأجيال هاماتهم فخرًا واعتزازًا كلما سطع بريق أسماءهم من شتى الجنسيات والأعراق، ليملؤوا الآفاق عطرًا
معنويًا من عبق الملكوت، ليتني ألمَسُ مسحةً من جمال أرواحهم في جبين من يتهادى طربًا لذكرهم، لانّ الفعل أبلغ دلالة من القول، وليس كما يقول الشاعر:
نبني من الأقوال قصرًا شامخًا** والفعل دون الشامخات ركامُ**
فالتضحية بالنفس أبلغ أنواع التضحيات، لذا ترانا عند أولِ منعطفٍ في طريق الصبر نتلمّس خوفنا، ونفشل في أولِ امتحانٍ تُخضِعنا له الحياة! وماذكرُ الشهيد سوى نفحة أمل تعين النفس على اقتلاع أشواك الحزن، لتزرع فينا ورود الجسارة والإقدام، ويبقى القلب يعزف سيمفونية الثبات، ويخفق مستبشرًا عند كلِ خطوةٍ نحو الأمام، وبعد كل انحناءة ننهض مجدَّدًا نُواصل السير على الدرب، لنكتشف أننا خسرنا جولة من جولات الحياة، ولم نخسر المعركة فما زالت مواقفهم في الشدائد تذكّرنا،وأنفاسهم تسدّدنا، إذ كلما يُدبر عامًا ويُقبل آخر، تتبلور ذكرى أشرف الأحياء عند ربهم، لتصير معيارًا لمَن خلْفَهم، كما كفّتَي ميزان كلما زاد تعلقنا بهم كلما اقتربنا من الغاية الأسمى، تُبصرها القلوب المنيرة التواقة للعروج على ذات براق العشق، وتلك أنصع صورة للحب الصادق في أبهى تجلياته، ومن ذلك الحب الذي لايبلى أعظم درس في التفاني علّمنا معنى "أنّ الإنسان لا يعيش لنفسه فقط، ولا يجري وراء مًتَعِهِ ولذائذه الخاصة، فالأنانية داء قاتل، والإفراط في حب الذات مرض مهلك"
وسلام على أرواح مافتئت تغمرنا بالنور حضورًا وعند الغياب.
١٣-ذوالحجة-١٤٤٥هجري
٢٠-حزيران-٢٠٢٤م
ارسال التعليق