إرجع يابن فاطمة
لم تكن جريمة عاشوراء وطف الحسين أبي الأحرار لتحدث؛ لو ان الأمة استقامت ووفت بعهدها المعهود إلى النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث الوفاء بعهد الغدير، العهد المحمدي إلى المسلمين كافة، والذي لم يكن إلا بتوجيه إلهي رباني إلى نبيه المصطفى، كي يكون طريق النجاة إلى هذه الأمة.
حيث قال تعالى في كتابه الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة:67]
هذا هو الطريق الرباني المرسوم لإبقاء رسالة الإسلام السمحاء خالدة، ولن يُتم الله نوره إلا بوصي النبي؛ للمحافظة على الدين من كل انحراف ووليجة وعهود الجاهلية، ومن براثن الضياع واركان الضلال ومضلات الهوى، فلم تفي هذه الأمة بعهدها وانقلبت ولم تراعي حرمة نبيها وأهل بيته الأبرار، واحدثت بسقيفتها المشؤومة واركان الضلالة والكفر فيها ما لا يرضي الله ولا انبياءه واوصياءه، فلم تنصر هذه الأمة الحق وأهله؛ فانحرفت عن جادة الحق وتخلفت شيئا فشيئا (إلا من رحم ربي وكان على بصيرة وهدى من دينه وعقيدته، واستجاب لأمر الله في يوم الغدير) فما كان من الوصي المظلوم إلا الاحتساب والصبر بسياسته العلوية للمحافظة على لب الدين وجوهره، رغم ما احدثوه من جرائم اهتز لها عرش الله سبحانه، بقتلهم إبنة نبيهم وزوجة وصيه؛ فاطمة البتول الطاهرة ام السبطين، بعدوانهم على دارها وإحراق بابها ودخولهم عنوة وعدوانا على بيت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستاذن لدخوله من بضعته الطاهرة، فاستشهدت وهي تدافع عن حق بعلها، إمام زمانها، نتيجة لغياب النصرة المجتمعية، فتكفل أمير المؤمنين عليه السلام بصبره المحافظة على بيضة الإسلام واركانه، بوصية من ابن عمه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، حيث اخبره بما سيحدثه الظالمون المجرمون بعد شهادته.
فترة تولي أمير المؤمنين علي عليه السلام مقاليد الحكم بعد سلطة الثلاثة؛ لم تكن فترة طويلة، فكانت الأربعة أعوام عبارة عن حروب لتثبيت اركان الدين الحق والدفاع عنه، حيث الطريق الذي نهجه النبي المصطفى، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وحيث إحقاق الحق ودرء المفاسد وتوطئة العدل، واستطاع أمير المؤمنين أن يثبّت في تلك الفترة وما قبلها، وإلى يوم شهادته صلوات الله وسلامه عليه اساسات عقائدية ومنهجية، فتمسك بهذا النهج المحمدي العلوي المؤمنون الثابتون على عهدهم.
استمر خذلان الأمة لنهج الآل الأطهار حيث نهج الغدير، نهج الله المرسوم؛ فكانت شهادة السبط الإمام الحسين عليه السلام، بعد ان وصل الانحراف والفسوق ببني أمية الذين تسلطوا على رقاب الناس بتقاعس الأمة واستمرار ضعفها وخذلانها، وتوطئة المنافقين وأهل الكفر والفسوق منهم، ولكن دوام الحال من المحال، فبعد فعال أبناء الفسوق ما كان إلا أن قام الإمام الحسين، طالباً للإصلاح في أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج عليه السلام ملبيا نداء أهل الكوفة الذين عاهدوه بمبايعتهم إياه حين يُقبل عليهم، فما وجد إلا قلة الناصر! إذ نقضوا عهودهم! وقام جيش الباطل بمحاصرته واصحابه ونسائه، مانعين الماء عنه وعن عياله وأهله وأصحابه وحتى رضيعه!
حيث خاطبه أبناء البغي: “يابن فاطمة!” يريدون منه ان يقع على حكم الظلم والجور والفسوق وإلا فإنه سيقتل! وإن تمسك باستار الكعبة! فما كان بعد أن خيروه بين السلة والذلة، إلا أن يرضى بالقتل ليُحيي دين جده، فالإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، فانتهكت حرمة دمه ودم أهله وأصحابه، وأُحرقت خيم النساء، وقُتل رضيعه ذو الستة أشهر بسهم من الوريد إلى الوريد عطشاناً كأبيه، وقتل أبناؤه وإخوته، وسبيت فخر المخدرات زينب ومعها النسوة من الكوفة إلى الشام، وأُثخن جسده الشريف بالجراح، وذبح من القفا عطشانا غريبا سليبا مظلوما، وطحنت جسده الشريف الخيول الاعوجية، وقطع جسده إربا إربا، ورفعت رؤوسهم على الرماح!
كانوا يخاطبونه “يابن فاطمة!” حيث خطاب الحقد على سيدة النساء الزهراء البتول، فنتيجة انحرافهم العقائدي يخاطبونه وهم يعلمون هو ابن من! فيقاتلونه بغضا بأبيه المرتضى! وأمه الزهراء! وجده المصطفى! وأخيه الزكي! …، نعم يعلمون! فأي انحراف وصلت له أمة جده بفعل ضلالة السقيفة!
يابن فاطمة! هذا الخطاب انطلق من شر الناس إلى سيد الخلق في زمانه، الذي لم يجد النصرة إلا من ثلاثة وسبعين من المؤمنين، حيث خذلت الأمة ابن بنت نبيها وريحانته وروحه التي بين جنبيه، فجحدت الحق ولم تنصره فكانت أمة الخذلان لسبط النبي والمناصرة للباطل، ولم تخاف الله في انتهاك حرمة النبي وآله، إلا أن ثأر الله لن يندثر! حيث القائم المنتظر، الذي سيملأها قسطا وعدلا ويمحي الباطل واذنابه وعدا كان مفعولا.
خطاب الجور سيتكرر مرة أخرى من منحرفي الكوفة، حيث بترية الكوفة عند مسجدها ينطقون بخطاب الظلمة السابقين: يابن فاطمة! إرجع من حيث اتيت، فلا مكان لك هنا! …، ولكن معادلة الظلم والجور والاستبداد قد ولَّت وانتهت، وسيكون الانتصار للعترة الطاهرة ولشيعتهم الذين ادّخرهم الله في آخر هذا الزمان لنصرة القائم منهم، حيث وعد الله الذي لا يخلف ميعاده، فهاهم أبناء العراق وإيران ولبنان واليمن، انبثقوا في تهيئة الاقتدار والقوة والمكنة الموطئة للظهور الشريف، فأبناء المرجعية الشريفة في العراق والجمهورية الإسلامية في إيران لهم اليد الطولى في تهيئة أرضية الاستعداد، حيث راية اليماني في العراق المنبثقة من دائرة الهدى (المرجعية الرشيدة ومقلديها) وراية الخراساني في إيران، فرايتا الهدى هاتان ستطردان راية السفياني، وما حديث الإمام الباقر عليه السلام إلا بشارة للمؤمنين اليوم، فعن معروف بن خربوذ، قال: ما دخلنا على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قط إلا قال: خراسان خراسان، سجستان سجستان، كأنه يبشرنا بذلك.
(كتاب الغيبة للنعماني ص٢٨٣، ب١٤، ح٥١)
وهي بشارة لزمان الاقتدار المهيئ للظهور الشريف، حيث خروج رجلين عظيمين من تلك البقاع سجستان “سيستان” وخراسان، فيكون لهم الدور في إبراز القوة الولائية لمحمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم) في الجانب العقائدي والديني والعسكري والمعنوي، فأمة سلمان الذين وعد بهم المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في ذلك الزمان، ودورهم العظيم في هذا الاقتدار، ودور مرجعية النجف الأشرف في صد أعتى هجمة على مر التاريخ، ضد مذهب آل البيت ومراقد الأئمة عليهم السلام وشيعتهم ومحبيهم، في فتوى الجهاد الكفائي العظيمة للإمام السيستاني حفظه الله، فاليوم أمة الاقتدار تهيأت واستعدت وعلت، فهيهات هيهات للذل! وأن نصر الله آت لا محالة، فأمر الله لا يكون بالاعجاز ولو شاء لفعل، وهذا ما كان وجه من وجوه الأسباب في غيبة القائم؛ لعدم وجود المكنة والقوة للأنصار في تلك الازمان.
مكر الله بالظالمين قادم بتحقق علامة هرج الروم، التي ستضعف الدول المارقة من الروم، حيث الدول الرومية الداعمة والساندة لحكام الجور والظلم، في منطقة الظهور الشريف ومنهم حكام الحجاز، فستُرفع اليد الداعمة عن هؤلاء الظلمة مما يعني ضعفهم، حسب التسلسل الروائي الذي وضعه أئمة الهدى واسموه لنا “بنظام الخرز الذي يتبع بعضه بعضا” وستنتهي كل آثار ظلم الأدعياء وحكمهم، لينبثق نور الله في أرضه بالحجة القائم المهدي من آل محمد في دولته الحقة، دولة العدل الإلهي المنتظر
ارسال التعليق