إسرائيل بينَ الفشل الإستراتيجي أربعون يومًا واقعٌ ما بعدَ نصرالله
تَتجلّى مقولة ”الهدفُ يُبرِّرُ الوسِيلة “ لكن بهدفٍ غيرَ استراتيجي، ووسيلةٍ بِلا نتيجة، حينما يُعبِّرُ دانييل بايمان، مؤلفُ كتاب «ثمنٌ باهض» بأنَّ ”عمليّاتِ القتل المستهدفة ليست أكثرَ مِن تكتيكٍ وليسَ استراتيجيا“. لقَد كانت خسارةً فَادِحةً عظمى وصادِمة كبرى بِاِغتيالِ رايةٍ رفيعةٍ للمَقاومة، الشهيدُ الأقدسُ والأسمى السيِّد حَسن نصرُالله . في خضمِّ الأوضاع والتحديّات التي تمرُّ بها منطقتنا، يُشكِّل اِغتيال الشهيد السيِّد نصرالله نقطةَ تحوّلٍ في مسارِ المقاومة، ولكن السؤال المطروح: كيف تمكَّنت المقاومة مِن البَقاء قَويةً ومتجدّدةً بَعد هذهِ الخسارةِ الفادِحة؟ يتأتّى دورُ المرونة سببًا رئيسيًا، سَواءًا كانَ في تَجارُبِ المَاضي أو التكيُّف بِالحاضِر، والالتزام الإيديولوجي كدورٍ أسَاسي للوجودِ والبقاء ؛ لِذلكَ كانَ تَعاملُ المَقاومة واِستجابتُها لِهذهِ الخَسائرِ مِن خِلالِ عقيدتِها وهيكلِها المُتماسِك، المَبني على الفِكرةِ لا على سقوطِ الأجساد، يُضمِّنُ لهَا القُدرةَ عَلى سدِّ الفَجوات النَاتِجة عَنْ غيابِ القَادةِ وتعزيز حالات التأقلم مع المَعركةِ في صَددِ الحاضِر، وكَذلِك باِستشرافِ المُستقبل.
لقد شهدتُ بِنفْسي- وربّما اِنتبَهتُم-، خِلالَ ساعاتِ اِغتيال السيِّد الشهيد نصرالله، اِستمرارَ عملياتِ المَقاومة عَلى مواقعِ الكيانُ الإسَرائيلي وعَلى وَتيرةٍ عاليّة. وهذا يتناقضُ تمامًا مَع مُختلفِ عمليات الاغتيال التي تستهدِفُ «مَراكزَ الثِقل» للِأنظِمةِ والحكُومات مِن رُؤساء وزُعماء، والتي تُؤدي إلى انهيارِ الدولة بِالكامل ولاتصمدُ غالبًا حتَّى لمِدةِ 48 سَاعة . فلا مناصَ مِن القولِ…مَا أكَّدهُ العقيد في الاِحتياطِ “الإسَرائيلي” كُوبي مَيروم: ”الاغتيالات لَمْ تُغيِّر الواقِعَ الاستراتيجي لإسرائيل “.
شهِدَ العدوُ والصديقُ والمُتابع زيادةً ملحوظةً فِي وتيرةِ عَمليّات المقاومة بعد اِستشهاد السيِّد نصرالله، أي كان تصعيدًا نوعيًا وكميًّا في سياقِ «عمليات خيبر» الاِنتقاميّة والدفاعِ عن لبنان وشعبه، كَما اِتضّحَت شِدّةُ هذهِ العمليّات كَالعمليّةِ النوّعيةِ المُركَّبة في مُعسكَرِ تدريبٍ للواءِ النُخبة«غَولاني» في حيفا والعمليّةِ في قيَساريّا التي اِستهدفت غرفةَ نومِ رئيس “الحكومة الإسرائيلية” «نتنياهو» بِطائرةٍ مُسيَّرة؛ فقد وصفَ الخبراء العُسكريون هذهِ الوتيرةَ التي لُوحِظت بِأنَّها «اِستعادةٌ لزِمام المُبادَرة» بِمُقابِل الضربات “الإسرائيليّة” المُؤثرةِ التي وَقعت، مِثلَ جَريمتي البَيجر واللاسَلكي واِغتيال القادةِ الميدانيين، إضافةً إلى عمليّة اغتيال الشهيد السيِّد نصرالله…، ومِن ثُمَّ بِدء ما يُعرف بِالعمليّة البريَّة على لبنان.
رغمَ كَونِ الضرباتِ “الإسرائيليّة” كبيرةً،ِ إلّا أنّها لم تُحقق النتائج المَرجوةٌ بالنسبةِ له مع تنفيذِ عمليّة «الوعد الصادق 2» التي أَمطرت جميع أرض فلسطين المُحتلّة وكانت مؤثرةً وفعّالة وأتت بوقِتها المُناسِب وصار لها أبعادٌ، لاسيَّما إثبات حزب الله خلال 40 يومًا فعّالياته فعلاً ، مُخيّبًا آمال “الإسرائيليين” ومدخِلهم في مأزِق كبير ، حيثَ إنّ كلَّ ما قامَ به “الإسرائيلي” تجاهَ حِزب الله خلال الأربعين يومًا الأخيرة لم يُثنِ حزب الله، ولم يستطيعوا إعادة المستعمرين إلى الشمال، بِل أضَحى هُنالِك مضاعفةً بالهارِبين وتوسُّعًا إلى حيفا وما بعدَ حيفا ومابعدَ بعدَ حيفا.
فهلَ تَساءلَ أحَدكم… لِماذَا لم يَتمكَّن “الإسرائيليون” اليوم مِن تجاوزِ البِلدات والقُرى الحدوديِّة، عَلى نقيضِ عام 1982م عِندمَا وصلَ بِالدبابّات إلى العاصمةِ بَيروت ، وفرضَ رئيسًا تحت وصايته؟ ما الذي يُمكِّن اليومَ حِزب الله أن يجعل “إسرائيل” تَفشلُ فشلًا ذريعًا بعد أنْ فقدَت الردعُ الكُلَّي منذُ صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م ؟
حُزبُ الله اليومَ هو تَراكمٌ متضاعفٌ عَن بذلٍ وعَطاء وتحقيق اِنجازاتٍ بالماضي، تستند ديمومتهُ،«ديمومة القتال» إلى دورهِ في الميدان و إلى ثبات أبنائهُ المقاومين وحاضِنتهُ الصامِدة وتجربتهُ الغنيَّة كمَقاومة، إذ شاركَ بِمشاركاتٍ عديدة منذ نشأته وارتقائهُ بَعد انتصارِ التحرير عام 2000م . هذه العوامِل الأساسيّة جعلتهُ يتصدَّى بقوّة، ويُديرُ الميدان بتنسيقٍ مُستمر ومُتصل وثباتٍ لا يتزحزح، مع دور استنزاف واِنهاكِ “الإسرائيلي” أيضاً بِكثيرٍ مِن جيشهِ وقُوَّته وشَعبه في قطاعِ غزَّة أمام فصائل المقاومة الفلسطينية على مَدار مايزيدُ العام، وكذلك دورُ المعركة الإسناديّة لغزَّة والاِستنزافيّة لكيانِ العدو التي خاضَها حزب الله
ارسال التعليق