الإمام علي (ع) رجل دولة وعقيدة
الإمام علي (ع) رجل الدولة والعقيدة ويرى أن منصب القيادة لا يعني من منظور الإسلام ولا من وجهة نظر القائد الإسلامي عملية تتسم با الاستعلاء على الأمة والاستحواذ عليها والتلاعب بمقدراتها.
لان المنصب لا يوفر للقائد الإسلامي اي نوع من الامتيازات وإنما هو في الحقيقة مسؤولية خطيرة ومهمة شاقة الهدف وعليه مسلك الهداية عبر الطريق السليم لتوفر الحياة ألافضل للمجتمع بغية انتشال الإنسانية من مهاوي السقوط وتوفير الحياة الكريمة. ولقد كان لمواقف الإمام علي (عليه السلام) وسياسته الرسالية كقائد إسلامي وزعيم مبدأ وعقيده مثّل الإسلام القرآني المرتكز على الثوابت المحمديه في النظام الاجتماعي ومارس عملية الحكم لبضع سنوات بعد ان ارسى العداله الاجتماعيه وفقا لمبدا المساوات بين ابناء البشر وأهم تلك الأولويات التي حددها الإمام علي (عليه السلام) وأكّد عليها خلال استلامه لزمام الأمور وأصرّ عليها تطبيق وتحقيق هدف الإسلام المشرق لبناء النواة العقائدية التي تعتمد قاعدة جماهيرية مؤمنة بأهداف القيادة مدركا بانه لا يمكن للقائد أي قائد أن ينجز مهمته لوحده، وينهض بمسؤولياته بمفرده من دون كوادر وكفاءات تعتمد إنجاز تلك المهمة الشاقة لتتفاعل مع أطروحاته وبرامجه في نجاح تلك الأطروحات والبرامج.وهكذا كان مسعى الإمام تحقيق الارتباط روحياً وعاطفياً لكي يضمن للشعب جيشا عقائديا يكون أميناً على الأهداف والمكتسبات الوطنيه وهذا ما يساعدعلى ترسيخ الأهداف النبيله في كافة أرجاء العالم الإسلامي المتسلح بالوعي كعنصر مهم وكأساس لضمان ركن الإيمان. فالإيمان القائم على الوعي إيمان راسخ يمتلك مقومات الثبات والديمومة وعوامل التحدي لكل ما يمكن أن يعترض المسيرة من عقبات وتحديات محتملة وغير محتملة. بينما الإيمان العاطفي أو بعبارة أخرى الإيمان اللاواعي، هو في الحقيقة إيمان هش لا يستند إلى دعامة ولا يعتمد على قاعدة ومن الممكن أن يتهشم مع هبوب أول عاصفة. إذن لابد من إصلاح كافة الأجهزة والمؤسسات لتحقيق ألاهدافه الكبرى وإحداث التغييرفي المجتمع،شريطة ان تكون ألاجهزة المؤسسات سليمة نقية تدار من قبل شخصيات تحمل هموم المجتمع وأهدافه وتطلعاته. ولا يمكن لأي أجهزة لا تمتلك مثل هذه المؤهلات أن تنهض بأعباء المهمات . وهذا يعني الانفتاح على الحدث وعندما ينظر العالم المتحضر الى فلسفة قيادة الامام في ادارة الدوله ومؤسساتها يستوعب لقدره والامكانيه في التعامل بما تمليه عليه المسؤولية الشرعية والإنسانية وما تفرضه عليه ظروف المرحلة التي يمر بها. لذا فان الامام ع يستسهّل عملية تنفيذ ما لديها من برامج ومخططات تدفع بالأمة باتجاه الأهداف المركزيه العليا. وانه يركز ويوجه انّ على القائد ان يتحمل المسؤوليه من دون أي عملية تلكؤ أو تعثر كونها تعدّ في الواقع خطأً تاريخياً يرتكب بحق المنظومه الاجتماعيه . لذلك كان الإمام حريصاً على أن تدرك الأمة كأمة أنّ المعركة بينه (عليه السلام) وبين خصومه... إنما هي معركة بين الإسلام والجاهلية والتخلف وكان حريصاً على أن يفهم الناس أنّ واقع المعركة هي بين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والجاهلية التي حاربته في بدر وأحد وغيرهما من الغزوات. ولو كان الإمام (عليه السلام) قد فعل غير هذا، ولم يبدا تحمساً لتجسيد المعركة بهذا اللون (لترسخ في أذهان الناس، وفي أذهان المسلمين بشكل عام شك في أن القضية ليست قضية رسالية كما اراد ان يصورها الأعداء هي قضية أهداف حكم الا انهم فشلوا لان الإمام علي (عليه السلام) اختارته الأمة لقيادة المسلمين لسلوكه ألقراني ولذاته المؤمنه التي لم يكن يتعامل مع الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها فقط وإنما كان يحمل اهدفاً اكبر من ذلك... ويفكر على مستوى آخر أوسع وأعمق... هذا المستوى يعني أن الإسلام كان بحاجة إلى أن تقدّم له أطروحة واضحة صريحة نقية لا شائبة فيها ولا غموض ولا التواء ولا تعقيد او مساومة اونفاق ولا دجل .كما كان أميرُ المؤمنين له عناية فائقة في التاريخ كقائد اختارته الاراده الالهيه ولأفكار ألنيره وهو ينظر لحركة التاريخ ليست عناية القاصّ والباحث عن القصص كما أنّها ليست عناية السياسي الباحث عن السياسيّة وأساليب التمويه انه كان واضحا يعالج الامور بعناية رجل الرسالة والعقيدة والقائد الحضاري المنفتح والمفكر المستقبلي. وقد كان رائد للحضارة الانسانيه بصفته رجل الدولة حيث يبحث في التاريخ جذور المشكل الإنساني ويتقصّى جهود الإنسانيّة الدائبة في سبيل الحلّ السليم بما يعزّز قدرة الإنسان على التكامل الروحي كونه يتناول كل المسألة التاريخيّة وفق طابعها الشمولي وفي اطار مجمل العموميّات وقد تحدّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسيّة وتربيته الفكرية لمجتمعه ولرجال إدارته ولخواصّ أصحابه والجميع يقدّر ويدرك أنّ الإمام عليه السّلام قد اعتمد في معرفته التاريخية على عدّة مصادر يأتي القرآن الكريم في مقدّمة هذه المصادر الّتي استقى منها الإمام معرفته التاريخيّة. وقد اشتمل القرآن على نصوص تاريخيّة كثيرة تضمنت أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها وانحطاطها واندثار الكثير منها وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النّبوات في تاريخ البشرية وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلّ أمة وجيل لرسالات اللّه تعالى الّتي بشّر بها الأنبياء عليهم السلام.
وقد كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أفضل الناس - بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في معرفته بالقرآن من حيث الظاهر والباطن والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والأهداف والمقاصد والأبعاد الحاضرة والمستقبل وغير ذلك من شؤون القرآن. فقد كانت معرفته بالقرآن شاملة مستوعبة لكلّ ما يتعلق بالقرآن الكريم من قريب أو بعيد. والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام التاريخي من حيث المنهج والنهج والمضمون وقد شدد على التكامل بوضوح في كلّ جوانب تفكيره وشهادات معاصره له في هذا الشأن كثيرة جداً. وإنّ عليَّ بنَ أبي طالبِ (عليه السّلام) عنده علم الظاهر والباطن وقد تربى أمير المؤمنين في بيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله منذ طفولته وبعث الرسول والامام علي ع عنده وفي ركابه وهو أوّل من آمن به ولم يفارقه منذ بعثته (ص ) إِلى حين وفاته حيث كان يكلّفه في تنفيذ المهمات للقيام بها خارج المدينة ولم تستغرق الكثير من وقته ومن هنا تفرغ بالشكل الكامل لتلقي التوجيه النبوي والوعي الذي كان يتلقّاه الإمام ببساله من رسول اللّه وكتاب اللّه. فقدّر للإمام عليّاً قراءة مدونات تاريخية باللّغة العربيّة أو بغيرها من اللغات الّتي كانت متداولة في المنطقة الّتي شهدت نشاطه وخاصة بعد أن انتقل من الحجاز إِلى العراق واضطرّته مشاكل الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا . وكثيرا ما كان في فكر ومسار الإمام علي (ع ) ان يكشف لنا عن جوانب كثيرة من المبادئ العظيمة التي اكتسبها من معاني القرآن الكريم ومن تعاليم مربيه العظيم وابن عمه النبي الأكرم محمد (ص) وهذه المبادئ تظهر لنا عناصر الحكمة من جميع جوانبها المادية والمعنوية وهي متسمة بالإحساس المتطلع دائما إلى الرحمة والرأفة والدفاع عن الحق والحرية والسلام والإنسان. وكان يركز اهتمامه على تنمية الشخصية الإنسانية وبالذات على الجانب الفكري ويوليه مكانة خاصة انسجاما مع النهج القرآني الذي يؤكد على التفكير والتأمل ورفض الجهل والتقليد الاعمى ويشيد بمقام العلم ودوره في تقويم الشخصية الانسانيه وكان لقوله لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل ولا ميراث كالأدب ولا ظهير كالمشاورة... وقوام الدين والدنيا أربعة: عالم مستعمل لعلم وجاهل لا يستنكف أن يتعلم وجواد لا يبخل بمعروفه وفقير لا يبيع آخرته بدنياه...ومن المعروف ان العلم الذي يدعو إليه العلم المفيد النافع الذي يخدم الانسانيه وينسجم مع الأخلاق والقيم النبيله والمقياس العلمية .وينظر الى العلماء الربانيون المؤمنون الواعون كونهم الذين دعاهم إيمانهم ووعيهم إلى أن ينذروا أنفسهم لطلب العلم ويفتحوا عيون الناس على الحق. والطلاب المتعلمون المؤمنون اللذين لاحقوا العلماء في مدارسهم وكتبهم واستفادوا من خيراتهم وتجاربهم كل ذلك من أجل معرفة الحق ليأخذوا به ويعملوا له لمعرفة الباطل ليحذروا منه ويتجنبوا طريقة الجهلاء الذين يفتقدون العلم والوعي والثبات ولا يملكون الكفاءة الثقافية والعلمية التي تحولهم إلى اتخاذ مواقف ثابتة وموضوعية والإمام علي (ع) يؤكد على المحبة من خلال النصائح الموجهة إلى الحاكم السياسي واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق .
ويدرك الإمام علي أن الإنسان الذي ينشد التغيير الاجتماعي ويسعى له عليه أن يتمتع بخصائص تؤهله لذلك ومن أهمها: الحرية التي تنطلق من عبودية الفرد لله ليكون حرا في كل المواقع التي أرادها الله تعالى فيملك حق التصرف بنفسه وبما حوله متى شاء وكيف شاء على الشكل الذي رسمه الله وهو جلب المنافع المشروعة ودرء المفاسد الممنوعة (ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) ويؤكد على الحرية التربوية التي تساعد على تحرير الانسان من العبوديه الأرضية. المال . الجاه . السلطان . الغريزة وعل الانسان ان ينصرف إلى العقل ليهذب وينظم قوامه ويدعو إلى التوازن والتكامل وهو ما تنادي به اليوم التربية الحديثة . ويرى الإمام علي (ع) في التربية السياسية والمواقع المتقدمة في السلطة بانها لم تعد حقا منعزلة متسلطا على الرقاب لتمارس سلطانها من فوق بالقهر والتعسف وهي ليست وسيلة للإثراء غير المشروع والتوسعة على الأهل والأقارب بغير حساب... ولكنها إنصاف للناس والعدل عليهم والمساواة بينهم فلا يكن حظك في ولايتك فالإنسان يمارس حقه في حدود المحافظة على حقوق الآخرين وبهذا يحصل التوازن بين الفرد والمجتمع ليتفاعلان ولكن بحدود حسن السيرة وموازين الحق والعدل.. من هنا نرى الإمام علي (عليه السلام) ينظر في حرية الفرد ومصلحة الجماعة نظرة موحدة شاملة فلا يغبن هذا ولا يؤذي ذاك بل يقيم بينها انسجاما يجعل الفرد جديرا باستخدام حريته ويجعل الجماعة خليقة بالاستفادة من الإجماع بل قد يجعل الفرد للجماعة والجماعة للفرد في نطاق الحرية الرحبة السمحة.. .لان فلسفة الإمام علي ع وعدالته تتلاقى مع عدالة السماء التي لا تبغي ولا تظلم بل تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات وترفض أن يكون لأحد أي تمييز على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح وشكرا.
ارسال التعليق