زيارة تاريخية تعزز الشراكة العراقية البريطانية

زيارة تاريخية تعزز الشراكة العراقية البريطانية

كتب رياض الفرطوسي 

في خطوة تحمل في طياتها دلالات اقتصادية وأمنية واستراتيجية عميقة، شهدت العلاقات العراقية البريطانية نقطة تحول مهمة مع زيارة السيد رئيس الوزراء العراقي إلى لندن. تأتي هذه الزيارة لتؤكد مساعي العراق لتعزيز حضوره الدولي وتوسيع شراكاته الاستراتيجية، بعيداً عن الاعتماد على دول بعينها، وذلك في إطار رؤية تسعى لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الأمن في المنطقة . من أبرز إنجازات الزيارة هو تعديل تصنيف العراق على لائحة السفر البريطانية، حيث انتقل من القائمة الحمراء إلى البرتقالي والأصفر. هذا التغيير يسهم في تعزيز حركة السفر بين البلدين، مما يرفع الثقة بالسفر من وإلى العراق، ويفتح آفاقاً أوسع للتعاون الاقتصادي والسياحي . ترافق هذا التحول مع لقاءات مكثفة جمعت مجموعة من رجال الأعمال العراقيين والبريطانيين، حيث تم بحث فرص الاستثمار مع 24 شركة بريطانية في القطاع الخاص. وتركزت النقاشات حول تعزيز التعاون في مجالات الطيران والصناعة والطاقة، مع التأكيد على أهمية بناء شراكات حقيقية تحفظ حقوق الطرفين، وتحقق مصالح متبادلة على المدى الطويل . تمثل هذه الزيارة أيضاً فرصة لتعزيز التعاون الأمني بين بغداد ولندن، خاصة في ظل التحديات الأمنية الإقليمية الراهنة. بريطانيا، التي تمتلك خبرة طويلة في التعامل مع العراق منذ الحقبة الملكية وحتى اليوم، تظهر رغبة واضحة في دعم العراق لاستعادة دوره كدولة مستقرة ذات سيادة. هذا الدعم يعكس تغيراً إيجابياً في الرؤية الدولية تجاه العراق، الذي بات ينظر إليه كشريك موثوق يمكن الاعتماد عليه في منطقة تشهد تحولات كبيرة . لا يمكن النظر إلى هذه الزيارة بمعزل عن البعد التاريخي الذي يربط البلدين. فبريطانيا كانت شريكاً للعراق في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة خلال الحقبة الملكية. وشهدت تلك الفترة تبادلًا للخبرات، لا سيما في المجال العسكري، حيث كان الضباط العراقيون يتلقون تدريباتهم في الكليات العسكرية البريطانية . إلى جانب ذلك، لعبت بريطانيا دوراً رئيسياً في إعداد الكوادر العراقية في مختلف القطاعات، وخاصة الطبية. على مر العقود، استقبلت الجامعات والمؤسسات الصحية البريطانية أعداداً كبيرة من الطلبة والأطباء العراقيين، وقدمت لهم تدريباً متخصصاً ورفيع المستوى. هؤلاء الكوادر عادوا إلى العراق ليسهموا في تطوير قطاع صحي متقدم وتعزيز التعليم الطبي داخل البلاد. هذه العلاقة الأكاديمية والصحية المتميزة تؤكد عمق الروابط التاريخية بين البلدين، وتبرز أهمية استمرارية هذا التعاون في تعزيز الموارد البشرية العراقية. تُعد زيارة السيد محمد شياع السوداني إلى لندن إنجازاً سياسياً ودبلوماسياً يُحسب للعراق، وهي الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ عقود. هذه الزيارة لا تعكس فقط رغبة العراق في تعزيز شراكاته مع الدول الكبرى، بل تمثل أيضاً فرصة لبريطانيا لتوسيع حضورها في السوق العراقي، خاصة مع المشاريع الكبرى التي يتطلع العراق لتنفيذها ضمن خططه لإعادة الإعمار . بإمكان هذه الزيارة أن تكون نقطة انطلاق لعهد جديد من التعاون بين البلدين، مبني على المصالح المشتركة في مجالات الأمن، التجارة، والطاقة. كما أنها تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات تقوم على الاحترام المتبادل والسعي لتحقيق الاستقرار والتنمية . إن تغير الرؤية الدولية تجاه العراق من دولة غير مستقرة إلى شريك يتمتع بالمصداقية والثقة يُعد إنجازاً يُحسب لبغداد. ومع فتح أبواب الشراكة مع دول كبرى مثل بريطانيا، فإن العراق اليوم يبدو أكثر استعداداً لمواجهة تحديات الحاضر وبناء مستقبل أكثر ازدهاراً . زيارة السيد رئيس الوزراء إلى لندن ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل هي محطة مهمة في مسيرة العراق نحو تعزيز حضوره الدولي وتنويع شراكاته الاقتصادية والاستراتيجية. ومن المتوقع أن تشكل هذه الزيارة أرضية صلبة لبناء شراكات طويلة الأمد تخدم مصالح البلدين، وتفتح صفحة جديدة من التعاون المثمر بين بغداد ولندن .

ارسال التعليق