حديث الإثنين..ما أشبه اليوم بالأمس..دمشق وبغداد وجهان لعملة واحدة
احمد ناصر
صحيفة 26سبتمبر العدد 2378
09 كانون1/ديسمبر 2024 م
من يتابع تصريحات لمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين مقربين من مصدر القرار حول ما جرى في سوريا وإسقاط نظامها سوف يستخلص منها بأن المخطط لفتح جبهة جانبية في سوريا لإشغال العالم بها قد تم الإعداد له مبكرا وقبل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله في لبنان والكيان الصهيوني الذي رعته أمريكا وفرنسا ولم يتم الالتزام به حتى الآن من قبل الجيش الإسرائيلي حيث تحدث يوميا العديد من الاختراقات سقط خلالها شهداء وجرحى من الجانب اللبناني وهي تصريحات تعززها وسائل إعلام صهيونية تكشف بأن المجرم نتنياهو شعر بأن جيشه بعد غزوه البري لجنوب لبنان سيتعرض حتما لهزيمة مخزية في الميدان تفوق تلك الهزيمة التي ألحقها به مقاتلو حزب الله عام 2006م رغم الدمار الذي تسبب فيه طيرانه الحربي بالضاحية الجنوبية وتمكنه من اغتيال قادة الصف الأول للحزب لأن اليهود تعودوا كما وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم أن يقاتلوا في قرى محصنة أومن وراء جُدر وعليه وحتى لا ينفضح نتنياهو وجيشه فقد سارع بالاتفاق مع إدارتي بايدن في واشنطن وأردوغان في تركيا بالتواصل مع الجماعات المتطرفة المدعومة أمريكيا وإسرائيليا وتركيا في سوريا للقيام بهجوم مفاجئ على المناطق السورية المحاذية لتركيا بداية بمدينة حلب الشهباء وتحييد الجيش السوري الذي كان العرب يراهنون عليه لتحرير الجولان ولكنه سلم مع الأسف سوريا بالكامل لعملاء أمريكا وتركيا وإسرائيل رغم تحذير إيران لبشار الأسد من هذا المصير الذي سيواجهه ولم يعمل بنصيحتها ورفض استقدام قوات إيرانية للدفاع عن نظامه معتقدا أن الروس الذين باعوه سيحمونه فكان مصير دمشق ونظامه مثل مصير بغداد ونظام صدام حسين وهو ما يجعلنا نقول ما أشبه اليوم بالأمس فلا حزب البعث وجيشه دافعوا عن سوريا ولا حزب البعث وجيشه دافعوا عن العراق فسقط شعارهم المزعوم: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة بسقوط دمشق وبغداد،
وكان نتنياهو في كلمته عشية وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل التي ألقاها ليوضح لشعبه وجيشه الهدف من وقف إطلاق النار مع حزب الله هو من أعطاهم الضوء الأخضر من خلال تهديده الذي قال فيه أن الرئيس بشار الأسد يلعب بالنار فكانت هذه كلمة السر للجماعات المتطرفة التي لم تتأخر كثيرا عن القيام بهجومها على المناطق السورية لينشغل العالم بما قامت به في سوريا والتركيز على جرائم هذه الجماعات بحق المدنيين كتشويش على هزيمة الجيش الصهيوني في لبنان وصرف الأنظار عنها وتحميل سوريا مسؤولية وصول الصواريخ الإيرانية حسب زعم نتنياهو إلى حزب الله ليستخدمها ضد إسرائيل وقد تلقفت هذا الزعم للأسف الشديد وسائل إعلام عربية مختلفة اعتبرت نفسها وكأنها الناطق الرسمي للكيان الصهيوني مدافعة عنه بكل ما أوتيت من قوة ودعم مادي ومعنوي من قبل من يتمنون سقوط النظام في سوريا والذين كان لهم دور كبير خلال العقد الماضي في محاولة منهم لإسقاطه حيث استقدموا لهذه المهمة إلى جانب العملاء والمرتزقة المحليين مرتزقة من عدة دول ورصدوا لهم حسب اعترافات مسؤولين خليجيين اثنين ترليون دولار تولى الاشراف عليها وتوزيعها عليهم الأمير بندر بن سلطان مدير المخابرات السعودية الأسبق ولكن كما قال رئيس وزراء قطر الأسبق الشيخ حمد بن جاسم تعليقا على الفشل في سوريا: لقد (تهاوشنا) على الصيدة ولم نصطادها، كما أن أردوغان تركيا سارع إلى تبني رسميا ماقامت به هذه الجماعات المتطرفة في سوريا وأكد بأنها ستصل إلى دمشق قريبا وذلك كرد فعل منه على رفض الرئيس بشار الأسد الالتقاء به بناء على مقترحه ورغم كلما قدمه من وساطات للجمع بينهما والتي كان آخرها في القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض الشهر الماضي.
لكن عندما أعادوا ذلك السيناريو اليوم بنفس الأدوات السابقة وبنفس الاسلوب خدمة للكيان الصهيوني وتغطية على فشله في تحقيق أهداف حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان التي مضى عليها أربعة عشر شهرا ولم يحقق سوى الخراب والدمار والقتل من الجو وفشل ميدانيا فإنهم بلا شك كانوا واثقين من نجاحهم بعد خديعتهم لبشار الأسد بأنهم سيقفون إلى جانبه ويبقونه رئيسا لسوريا مقابل تخليه عن إيران لاسيما بعد أن أعادوا علاقاتهم الدبلوماسية مع سوريا عقب فشلهم السابق ودعوا الرئيس بشار الأسد لزيارة عواصمهم وحضور مؤتمرات القمم العربية والإسلامية التي تعقد فيها وقد حققوا فعلا هدفهم وأسقطوا نظامه على غفلة منه وأجبروه على مغادرة سوريا إلى جهة غير معلومة حتى اللحظة وتمكين الجماعات المتطرفة التي يقودها عميل أمريكا وإسرائيل أبو محمد الجولاني إلى دمشق وقد غير لقبه معلنا عن اسمه الصريح أحمد الشرع كمعارض للنظام وهو ما سيجعل سوريا تعيش في وضع صعب ومعقد شبيه بالسيناريو الليبي حيث لن يتحقق لها الاستقرار ولا يستبعد أن تتقاتل الجماعات التكفيرية مع بعضها حتى تظل سوريا مستهدفة لأنها البلد العربي الوحيد الذي تبنى بجد القومية العربية واستطاع أن يتحول إلى بلد صناعي وزراعي محققا الاكتفاء الذاتي لشعبه وأصبح مصدرا واكبر مشغل عربي لصناعة الملبوسات القطنية الفاخرة وغيرها من المنسوجات وكانت سوريا تمتلك عشرات الآلاف من المنشآت الصناعية منها في مدينة حلب لوحدها أكثر من ثلاثين ألف منشأة دمرها الإرهاب بالكامل ويقال بأنه تم تفكيكها ونقل معداتها إلى تركيا ولم تكن توجد على سوريا ديون مثلما هو حال البلدان العربية الأخرى قبل التآمر عليها بحجة أن نظامها قمعي ويفتقر المواطنون فيه للحريات وهي مفارقة عجيبة فلا يوجد نظام عربي واحد سواء كان ملكيا أم جمهوريا نستطيع أن نقول عنه بأنه نظام ديمقراطي فالقمع موجود في كل البلاد العربية بدون استثناء، ورحم الله أمرءا عرف قدر نفسه وانشغل بعيبه عن عيوب الآخرين.
إنما جرى في سوريا من أحداث مأساوية تدعمها أمريكا وإسرائيل وتركيا قد كشف المستور فتلك الجماعات الإسلامية التي طالما تغزلت بالقضية الفلسطينية واستثمرتها لجباية الأموال من خلال حملات التبرعات التي كانت تقوم بها خاصة في المساجد صمتت صمت القبور عندما حصحص الحق خلال عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م فتوارت عن الأنظار ولم تحرك ساكنا وهي تشاهد عشرات الآلاف يقتلون على أيدي الجيش الصهيوني أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال وتدمير البنية التحتية في غزة ولبنان ونسيت تماما تغنيها بشعار نصرة فلسطين سابقا،
لكن عندما بدأت الجماعات المتطرفة هجومها في سوريا بعد أن أعطاها نتنياهو الضوء الأخضر انبعثت هذه الجماعات التي تسمي نفسها اسلامية من قبورها ورفعت أصواتها المنكرة كأصوات الحمير داعمة ومؤيدة لمزعوم اسقاط النظام في سوريا ولا نجد لذلك تفسيرا معقولا ومنطقيا إلا إن هذه الجماعات المتزمتة تخدم أعداء الأمتين العربية والإسلامية بدعم من بعض أنظمتها التي تدور في الفلكين الأمريكي والإسرائيلي ومرتبطة بهما عضويا وهو ما يؤكد إن الخطر المحدق بالبلدان العربية والإسلامية التي تتوق لتحرير قرارها السياسي من سيطرة الخارج يأتي من الداخل على أيدي بعض أبنائها الشاذين والذين تحولوا إلى عملاء ومرتزقة والدليل ما حدث في سوريا حيث خان الجيش العربي السوري بلده ولم يدافع عنه وسلمه لأعدائه على طبق من فضة.
ارسال التعليق